يبدو أن الأنسان لا يتوارث الجينات فقط من أسلافه، بل إن الأخلاق وقيم الأصالة والحكمة في التقدير والتجربة تأخذ حيزاً كبيراً في عملية التوريث فالملك عبد الله بن عبد العزيز خادم الحرمين الشريفين أخذ من مدرسة والده الكثير من تجارب الحياة وتجارب الحكم فقد كان ولا زال ملازما لكبار العلماء والمفكرين والمبدعين في شتى مناحي الحياة لذلك تكون توجيهاته صائبة لما له من قدرات في الإدارة والسياسة والقيادة. فقد شهدت المملكة العربية السعودية بوجود الملك عبد الله أميرا وملكا انجازات جليلة ومميزة وضعت المملكة على خارطة الدول المتقدمة من حيث المشاريع التنموية التي لا حصر لها وكلها كانت في خدمة بناء وطن متكامل للجميع دون استثناء. كما أولى الملك المفدى العلم مكانة مرموقة في المجتمع إيماناً منه بصدق توجه الملك المؤسس عبدالعزيز آل سعود في تشجيع التعليم وتقدير العلماء فقد عمل الملك منذ توليه الحكم على مضاعفة عدد الجامعات والكليات التعليمية وخطت مسيرة التعليم خطوات متسارعة إلى الأمام، وأسس مكتبة الملك عبد العزيز العامة والكثير من المكتبات في الدول العربية وأنشأ مهرجان الجنادرية الوطني للتراث والثقافة الذي يستقطب العلماء والأدباء والشعراء والمفكرين، كما كان له الفضل في القضاء على مشاكل الازدحام حول جسر الجمرات وتسهيل حركة حجاج بيت الله الحرام لأداء مناسكهم. وانتهج مبدأ الوسطية فدعا خادم الحرمين الشريفين إلى تعزيز الحوار بين الأديان والثقافات والحضارات المختلفة كافة، و إلى الاحترام المتبادل فيما بينها من مقدسات لا يمكن المساس بها كونه يؤمن بالتنوع الحضاري والثقافي وإن الإنسان حين يتشارك هذا التنوع إنما يخدم جميع الشعوب. وفي المجال السياسي بقيت المملكة العربية السعودية كما كانت في عهد المؤسس الملك عبد العزيز رحمه الله محافظة على النهج السياسي المعتدل والمتزن القائم على الحكمة وبعد النظر. على جميع الأصعدة من خلال مد يد العون للمسلمين أينما كانوا مراعية العلاقات والظروف الدولية ومراعية أيضا مسيرة التضامن العربي والسلام والأمن الدوليين. المسيرة الحافلة للملك المؤسس والملك الابن خلقت لدي فكرة مفادها أن الحكمة والأصالة تنتقل من جيل لآخر فشاءت الصدفة السعيدة أن ألتقي بصاحب السمو سعد بن عبد الله نجل خادم الحرمين الشريفين في إحدى المناسبات الثقافية والعلمية في مكتبة الملك عبد العزيز ولمجرد مصافحتي له زاد يقيني وإيماني بفكرة توارث الأصالة والكرم وطيبة النفس، تأكدت وأنا في حضرته من قلبه الكبير ونبضه الرائع في حبه لزائريه، تأكدت من صدق مشاعره التي تتوزع في الجهات كلها دون استثناء، فهو لا يميز بين جنوب البلاد و شمالها ولا شرقها عن غربها، الوطن في فكره واحد والشباب جزء من اهتمامه المطلق، وازددت ثقةً أن توارث الخصال الحميدة والاقتراب من مجد الآباء العظيم والنظر من زوايا العصر الحديث يزيد النقاء ويزيد أيضا المسؤوليات, فقد كان صاحب السمو سعيدا بزائريه، وهو الذي يعرف عنه الاهتمام بكل ما من شأنه خدمة الشباب والمثقفين وبهذه المناسبة شاهدته يهتم بالدكاترة والمثقفين والعلماء الموجودين ويطمئن على أحوالهم، وهو بفكره وتواضعه وقربه من الجميع يعرف ما يحتاجه الشباب والناس معاً كما والده خادم الحرمين الشريفين. كيف لا يكون صاحب السمو سعد كذلك وهو الذي تتلمذ على يد خادم الحرمين الشريفين وأخذ من صفاته وعلمه وحكمته وتواضعه الكثير, وحين انتهت المناسبة كانت سمات التواضع بارزة على الأمير في وداع الحاضرين، فتذكرت قولا للشاعر حين قال: دنوت تواضعاً وعلوت مجدا فشأناك انخفاض وارتفاع كذاك الشمس تبعد أن تسامى ويدنو الضوء منها والشعاع فهكذا تتوارث الأجيال النبل والتواضع والكرم كما تتوارث الملامح والسمات الجسدية، فلا تموت الصفات في الرجال ولا حب الوطن في القلوب التي نبضت في مدارس كانت وما تزال ملاذاً لمن يبحث عن المعرفة.