أكثر ما لفت نظري في حديث معالي وزير الشؤون الاجتماعية تحت قبة الجزيرة تفسيره لظاهرة تزايد عدد الفقراء في المملكة بكونه نتيجة طبيعية لتزايد عدد السكان، وهذا تفسير غير واقعي ولا مقبول في ظل ما ننعم به من وفرة مالية ونمو كبير متواصل في معدلات الإنفاق الحكومي، التي يُفترض أن تنعكس في تحسُّن مطرد في مستويات المعيشة ومعدلات الدخل، لا أن تترافق مع نمو مستمر في أعداد الفقراء كما تعكسه عدد حالات المستفيدين من الضمان الاجتماعي التي وصلت الآن إلى نحو 850 ألف حالة، بعد أن كانت لا تتجاوز 650 ألف حالة في عام 2009، أي أنها زادت بنسبة 30 % في أقل من خمس سنوات. وللعلم، فإن الحالة المستفيدة يمكن أن تكون فرداً واحداً أو عائلة مكونة من 20 فرداً، وإذا افترضنا خمسة أفراد - كمتوسط لعدد أفراد الأسر المستحقة للضمان الاجتماعي - فإن هذا يعني أن ما يزيد على أربعة ملايين سعودي يعتمدون حالياً على الضمان الاجتماعي، أو ما يزيد على 20 % من أعداد السعوديين، وهذه نسبة مرتفعة جداً، خاصة أنها لا تمثل كامل شريحة الفقراء في المملكة، وإنما جزء منها فقط. فمستحقو الضمان الاجتماعي هم فقط الأيتام ومن في حكمهم، والمسنون الذين بلغوا ستين عاماً، ممن ليس لهم دخل كافٍ، والعاجزون عن العمل عجزاً دائماً أو مؤقتاً، والمرأة التي لا عائل لها، والأسرة غير المعولة، أي من ليس لها عائل، إما بسبب الوفاة أو الطلاق أو الهجر أو التعليق؛ ما يعني أن من تنطبق عليهم شروط الاستفادة من الضمان الاجتماعي قد لا يمثلون إلا جزءاً ممن قد يكونون في عداد الفقراء؛ فالفقراء الذكور ممن هم في سن العمل ولا دخل لهم بسبب كونهم عاطلين عن العمل لا يحق لهم الاستفادة من معونات الضمان الاجتماعي، ولا يحق بالتالي لمن يعولونهم الحصول على هذه المعونات حتى لو كانوا فقراء في أمسّ الحاجة. من ثم فإن الأمر الذي لا جدال فيه، والذي نحن في أمسّ الحاجة إلى مواجهة صادقة معه، هو أن تزايد حالات الفقر في المملكة ليس بسبب تزايد عدد السكان، وإنما بسبب ارتفاع معدلات البطالة وانخفاض مساهمة مَنْ هم في سن العمل من المواطنين في سوق العمل. فالإحصاءات الرسمية تُظهر أن 36 % فقط ممن هم في سن العمل يعملون فعلاً، وتنخفض هذه النسبة بين الإناث بحيث لا تتعدى 12 % فقط، بحيث نجد أن جزءاً كبيراً من الإناث اللاتي يحصلن على معونات الضمان الاجتماعي حالياً مؤهلات علمياً وقادرات على أن يُخرِجن عائلاتهن من دائرة الفقر والعوز بكل سهولة متى ما توافرت لهن فرص عمل مناسبة. من ثم فإن عجزنا عن حل مشكلة تدني مساهمة العمالة المواطنة في سوق العمل والاعتماد المتزايد على العمالة الأجنبية رغم كل هذه الوفرة في الموارد البشرية محلياً، نتيجة عدم استعدادنا لإجراء إصلاح حقيقي، وليس وهمياً، في سوق العمل، يحقق اعتماداً أكبر على مواردنا البشرية المحلية، وينهي إدماننا غير المبرر على العمالة الأجنبية متدنية الأجر، هو السبب الرئيس لتفشي الفقر، وليس النمو السكاني. فعدد السكان مورد اقتصادي، يمكن أن يسهم بفاعلية في رفع حجم الإنتاج والدخل الوطني ومستويات المعيشة متى ما تم تبني سياسات اقتصادية تحقق ذلك، كما يمكن أن تتسبب السياسات الاقتصادية غير الملائمة في ارتفاع نسبة الفقر، وهدر هذا المورد الاقتصادي المهم. ومن المحبط أن هذا - على ما يبدو - لدينا قناعة بأنه خيارنا الحتمي. [email protected] أكاديمي وكاتب اقتصادي *** on twitter @alsultanam