لعلكم تتذكرون السيد بول بريمر، فقد ارتبط اسمه بالعراق، وربما أنكم تتذكرون لباسه المفضل والغريب، حيث إنه يرتدي بدلة رسمية مع حذاء رياضة التنس!، وهو أمر لطالما تندر عليه الأوروبيون من الأمريكيين، ولا يراودنا شك بأنه تم اختياره لإدارة حكومة الاحتلال في العراق بعناية فائقة، فهو من تلاميذ وزير الخارجية الأمريكي الأسبق، والأشهر هنري كيسنجر، كما سبق له العمل تحت إدارة الجنرال الشهير الكساندر هيغ وزير الخارجية في بداية عهد الرئيس ريجان، وبريمر ينتمي إلى أسرة ارستقراطية ثرية، وتلقى تعليمه في أرقى جامعات أمريكا، ييل، وهارفارد، فماذا فعل بالعراق؟!. بريمر حكم العراق لمدة قصيرة، واتخذ قرارات كارثية، يأتي على رأسها قرار حل الجيش العراقي، والذي يراه كثير من المحللين السياسيين قرارا خاطئا، ولكن إدارة بوش - تشيني- رايس، ومعهم فريق «الفوضى الخلاقة»، لا يرونه كذلك، فهو قرار له ما بعده، ونتوقف هنا عند أولئك الذين يتحدثون - بسطحية مفرطة أحيانا - عن فشل أمريكا في العراق!، ويستدلون على ذلك بتسليم العراق إلى عدوتها اللدود إيران!، فعن أي فشل، وأي عداوة يتحدثون؟ فهل يصدق هؤلاء أن أمريكا استعدت لمدة طويلة لحرب العراق، ثم خسرت تريليونات الدولارات، وآلاف الجنود، وبعد كل ذلك سلمت العراق لإيران!، فهل هذا منطق يصح الاعتداد به، ونعود مجددا إلى بريمر، فأين هو؟!. بعد مغادرته العراق، وكعادة الساسة الغربيين، امتهن بريمر إلقاء الخطب، وأثرى من جراء ذلك، فوق ثرائه السابق؛ إذ إنه متهم في قضايا فساد مالي بمبالغ ضخمة تتجاوز التسعة مليارات دولار أثناء حكمه للعراق، فالتحقيقات تشير إلى أنه لا توجد سندات توثق صرف جزء ضخم من هذا المبلغ، وهذا يدل على أن الفساد ملة واحدة، متى ما توفرت الظروف، واختفى القانون، وما يهمنا هنا هو أن بريمر شارك قبل أيام في ندوة في إحدى قاعات البرلمان البريطاني، وحينها طلب المداخلة مواطن عراقي، فأذن له الأول، فتحدث هذا المواطن، ثم قال لبريمر إنه يحمل له رسالتين، إحداهما من صدام حسين، والأخرى من الشعب العراقي، وفي غمرة حماس بريمر لسماع فحوى تلك الرسائل، فاجأه المواطن العراقي بقذف فردة حذائه عليه على أنها الرسالة الأولى من صدام، ثم ألحقها بالأخرى كرسالة من الشعب العراقي!، وقد أخطأت الفردتين هدفهما، فماذا فعل بريمر؟!. كانت الرمية الأولى ضعيفة، وبالكاد وصلت إلى الطاولة، أما الثانية فكانت عالية جدا، وقد نهض بريمر من مقعده، وحاول التقاطها، ثم قال للمواطن العراقي، وهو يبتسم:» إذا كنت تنوي القيام بمثل هذا العمل، فعليك أن تتعلم التصويب جيدا! «، ثم أضاف:» من حسن الحظ أنك فعلت هذا في بلد ديمقراطي، فلو فعلت هذا في عراق صدام حسين لتم إعدامك!»، وهنا يبدو الفارق الثقافي جليا، فمع أننا لا نعلم عن تفاصيل حياة هذا المواطن، ولا عن الصعوبات التي واجهها، إلا أنه كان بإمكانه أن يبدي وجهة نظره بطريقة حضارية، خصوصا وأنه تمت استضافته في بريطانيا، ولكن يبدو أن الطبع يغلب التطبع، وأننا أمة لا يزال كثير من أبنائها يؤمنون بالعنف، ويتوقون إلى الطغاة، فإلى أن يتغير هذا الوضع المزري، ننتظر غاضبا آخر، في بلد آخر، يحمل رسائل مماثلة لرسائل هذا الشاب العراقي. [email protected] تويتر @alfarraj2