كانت الساعة تجاوزت العاشرة ليلاً حين كان الدكتور أبو مالك يتابع من منزله في العاصمة السعودية نشرة الأخبار وهي تعرض صوراً لجرحى سوريين أصابتهم شظايا القذائف، قبل أن تنتقل الكاميرا إلى ناشط يتحدث من مستشفى ميداني عن نقص المعدات والأدوية وحاجة البلاد إلى أطباء متطوعين. هي اللحظة التي يُقرع فيها جرسٌ من مكان مجهول ليحملك على اتخاذ قرار يكون ثورة في حياتك، كما يقول أبو مالك، الجراح المتخصص في جراحة العظام: «أحسست بأن هذه النشرة تحديداً كانت دعوة مباشرة أرسلها لي الشعب المسحوق الذي لا يجد طبيباً يقوم على جراحه». يحظى الطبيب الثلاثيني بمحبة العاملين في المستشفى الذي يقع على الأرض السورية قريباً من الحدود التركية، كما يخبرنا المدير الشاب منذر بولاد: «وصل إلينا منذ شهر تقريباً، واكتسب احترام الجميع، وهو يعمل بجد لساعات طويلة». ثم يضيف مازحاً: «ويبدو أنه أحب المكان ولن يغادر». لكن الإجازة التي منحت له من عمله الأساسي في السعودية توشك أن ينتهي أجلها: «بقي أمامي أسبوع، وهناك زملاء يمكنهم سد الغياب ريثما أتمكن من العودة مجدداً». ويعمل في المستشفى ?? طبيباً في الوقت الحالي، كما يقول بولاد: «عشرة منهم سوريون، والبقية من جنسيات عربية، أتوا من تونس والمغرب وليبيا، ويتطوع بين فترة وأخرى أطباء عرب زائرون لفترة محددة». تعرض المستشفى للقصف الجوي مرتين، كما يقول بولاد: «تهدم المبنى المقابل الذي تراه أمامك، فانتقلنا إلى هنا». ويرى بولاد أن القذائف التي أصابت المستشفى لم تكن عشوائية؛ فالنظام يتعمد ضرب المستشفيات: «لهذا طلبنا منك ألا تحدد اسم المستشفى ولا مكانه، وألا تلتقط له صوراً من الخارج». ومع أن الطيران لم يعد يقترب من المكان بعد أن أسقط الجيش الحر طائرة في مكان قريب إلا أن الأسرّة لا تزال محاطة بمتاريس رملية في مشهد يشبه ما تنقله الأفلام السينمائية عن الحرب العالمية الثانية، وهو ما يفسره بولاد: «نحتاط للأمر فقط، وما زلنا نخاف على النزلاء وطاقم العمل من انتقام النظام؛ لأننا نعالج المقاتلين». ويضم المستشفى ?? سريراً، ويستقبل نحو خمس حالات كمعدل يومي، ما لم تكن هناك معركة قريبة، كما يشرح بولاد: «في إحدى الليالي وردتنا ?? حالة، فاستدعينا الأطباء جميعاً، واستطعنا تغطيتها بكفاءة». لكن الحالات المستعصية تُحول إلى تركيا: «فالمستشفيات هناك مجهزة، والأتراك متعاونون جداً، سيارات الإسعاف لا تتوقف عن نقل الجرحى من الحدود إلى المدن القريبة». ويشكو بولاد من نقص طفيف في بعض الأدوية والمستلزمات الطبية: «مع أن المانحين يقدمون الكثير، لكن الحاجة مستمرة». ويروي أبو مالك أنه عالج ثلاثة من جند النظام أحضرهم الجيش الحر بعد اشتباك عنيف دار بين الطرفين في ريف حلب: «لدي موقف من الثورة لا يسعني أن أخفيه، وأتعاطف مع نضال الشعب السوري لنيل حريته، لكننا كطاقم طبي لا تعنينا هوية المريض ولا طائفته، فنحن نستقبل جميع الحالات ونباشر علاجها بغض النظر عن الراية التي يحملها المصابون». واستكمل المصابون الثلاثة علاجهم حتى استقرت حالتهم، كما يؤكد أبو مالك: «وقّعتُ على أمر خروجهم حين تماثلوا للشفاء». واستلمهم الجيش الحر مجدداً، كما يضيف بولاد: «لم يتعرض لهم أحد هنا حتى بالكلام الجارح». وباستثناء أبي مالك، يرفض الأطباء العاملون في المستشفيات الأخرى الحديث إلى وسائل الإعلام، فالمستشفى الذي زرته في منطقة أخرى من ريف حلب أقامته نقابة الأطباء المصرية «هدية للشعب السوري الشقيق» كما كتب على اللوحة، ويعمل فيه أطباء (أغلبهم مصريون)، لم يسمحوا لنا بالتقاط أي صورة للمبنى الذي يعج بالمرضى من الجنسين على اختلاف أعمارهم.