القمة العربية التنموية الاقتصادية والاجتماعية الثالثة التي عقدت الأسبوع الماضي في الرياض تظهر رغبة في تعاون أكبر بين الدول العربية في هذه المجالات التي قد لا تكون حظيت سابقاً باهتمام كاف في العمل العربي المشترك، إلا أن هناك عقبات حقيقية تقف في وجه أي تطوير حقيقي للعمل الاقتصادي المشترك وتحد من جدواه. فلكي يكون هناك اقتصاد عربي قابل للتكامل فيجب أولاً أن يكون هناك مصالح وارتباطات اقتصادية مشتركة ذات وزن بين الدول العربية ضمن منظومة علاقاتها الاقتصادية، وهو أمر غير قائم في الوقت الحالي، باعتبار أن الشركاء التجاريين الرئيسيين للدول العربية جميعهم دول من خارج المجموعة العربية، كالاتحاد الأوربي والولايات المتحدة واليابان والصين. فمن إجمالي الصادرات العربية في عام 2010 البالغة 904 مليار دولار ذهب حوالي 15% منها لدول الاتحاد الأوروبي 8% لأمريكا و8% للصين 11% لليابان و24% لبقية دول آسيا و26% لباقي دول العالم، فيما لم يتعدَ نصيب الدول العربية منها 9% فقط، بحيث إن إجمالي التجارة البينة العربية لم يزد على 77 مليار دولار في حين أن إجمالي تبادلها التجاري مع العالم الخارجي تجاوز 1400 مليار دولار، أي أن التبادل التجاري البيني لا يعادل حتى 6% من إجمالي التبادل التجاري للوطن العربي مع العالم الخارجي. بالتالي فارتباط مختلف الاقتصادات العربية بالمجموعات الاقتصادية العالمية أكبر واهم بكثير من ارتباطها بالاقتصادات العربية الأخرى، وهو واقع يقلل كثيراً من جدوى أي شكل من أشكال التكامل الاقتصادي بين الدول العربية في ظل هذه الظروف غير المواتية. ولكي نعرف سر ذلك فما علينا إلا أن نلقي نظرة على هيكلية التجارة العربية في عام 2010 والتي تظهر أن معظم صادرات الدول العربية كانت من السلع الأولية حيث شكل الوقود والمعادن 72% من صادراتها، في المقابل كانت معظم وارداتها من السلع المصنعة حيث شكلت هذه السلع ما يزيد على 65% من واردات الدول العربية. وطالما بقيت الاقتصادات العربية تحمل سمات التخلف الاقتصادي المتمثلة في اعتمادها شبه الكامل على إنتاج السلع الأولية كالنفط الخام والغاز والسلع الزراعية، فإنه لا يمكن أن يقوم تكامل اقتصادي بينها، ولا أن تنجح أي جهود تستهدف زيادة حجم التبادل التجاري البيني بما في ذلك إقامة منطقة تجارة عربية حرة أو إتحاد جمركي. فواقعها الاقتصادي يحتم أن يكون شركاؤها التجاريون دولا من خارج المجموعة العربية باعتبار أنها تنتج سلعا يلزم تصديرها إلى الدول المتقدمة صناعياً وتستورد سلعاً لا تنتجها في الغالب إلا تلك الدول. من ثم ولكي تنجح الدول العربية في تحقق تكامل اقتصادي حقيقي بينها يحسن من أوضاعها الاقتصادية ويرفع من مستويات معيشة شعوبها فهي بحاجة إلى بذل جهود حثيثة لتنويع قواعدها الاقتصادية وإخراج اقتصاداتها من دوامة التخلف الاقتصادي المتمثل في سيطرة الإنتاج الأولي على إنتاجها وصادراتها، ودون ذلك فلن يكتب النجاح لأي جهد يستهدف مزيد من التكامل الاقتصادي بينها ويمكننا أن نحلم لكن الواقع سيفرض أمرا غير ذلك. [email protected] أكاديمي وكاتب اقتصادي *** on twitter @alsultanam