ما هذا الذي يلف به معصمه؟ يسخر منه الجميع.. يتهامسون كيف لذلك الرجل الوقور التحلي بذلك العقد النسائي؟ لا يهتم بتلك الهمسات التي يلاحظها ..والعجيب أنه حين يرى تساؤلات في العيون.. كان يُقبل تلك الحبات الصفراء يتمنى أن يسرد لهم ذكرياته مع ذلك العقد .. لكنه يتراجع عن ذلك غير مهتم بأن يعرف سره الآخرون . لم ينزعه يوماً منذ أن كان عمره عشراً .. فقد كان يلفه حول معصمه الصغير ثلاثا... حين كبر أصبح طبقتين، مازال يطوق يده حتى في يوم عُرسه.. حاولت فتاته أن تعرف سر ذلك العٌقد أو تجعله ينزعه... لكنها فشلت... حتى أصبح عٌقدتها تعشق حبيبها ولكنها لم تكن تنظر إلى عينيه ...بل كانت دائمة النظر إلى معصمه.. تدور في رأسها تساؤلات تبثها إليه لكن صمته يجعلها تشك أكثر. تشتعل نار الغيرة في قلبها هل هو عٌقد حبيبة قديمة؟ من هي صاحبته؟ أصبح هاجسها خيرته بينه وبينها صمت.. احتضنها وارتسمت على شفتيه ابتسامه ذهبت به بعيداً.. عادت به عمراً ماضياً... لا يزال حاضراً يتذكر أباه ... حين زاره على غير عادته في محل عمله ...يهمس في أذن صاحب العمل بكلمات يأمره الرجل أن يعود مع والده للبيت يأخذه من يده يلتفت إلى صاحب العمل يحاول أن يتبين ماذا حدث؟ لم ير غير عيون لامعة لم يعد به للمنزل، بل إلى عربة كانت في انتظاره الأب يحتضنه على غير عادته. يحتويه في الكرسي الخلفي ينحشر ذلك الجسد بين أبيه وعمه، كلاهما يحتضنه لم يكن يشعر بوجوده بينهما العربة تشق غبار الصمت تقترب من بلدته الصغيرة. ها هي بلدته تبدو في أفق مظلم، برغم شمس الصباح تفلت من عينيه دمعة صغيرة وللمرة الأولى يرى الجبلين اللذين يحيطانه غزيري الدمع على جانبي الطريق. يرى وجوه يعرفها.. كانت صامته ومآقي معصورة بالهم والبكاء. توقفت العربة دفعهموارتقى درجات السلم دفعة واحدة وتزفه إليها دموع يراها في العيون ولا يتبين أصحابها. يقف أمام غرفتها لا يكاد يراها الحجرة مليئة بالنساء يبكين ارتمى في حضن كان في آخر مراحل الدفء تزداد حرارته أكثر تحرك الجسد المسجى للمرة الأخيرة تتحرك يدها تشير إلى ذلك العقد الكهرمان الملتف حول جيدها. كان هو من اشتراه لها يوم أن انتزعه والده من أحضانها لتتذكره وهل كان لها أن تنساه؟ !!! نام على صدرها انتزعته النساء... بعد أن أغمضت عينيها مبتسمة... راضية بعدها أصبح وحيداً بعد أن رحلت عنه (وحيدة). - محمد يوسف