إن مقالتي هذه لا يمكن تصنيفها ضمن أدب الرحلات التي تفنن بها الكثير من الأدباء والمؤرخين الذين لا يغادرون صغيرة ولا كبيرة إلا رصدوها وهذا ما سوف يلاحظه القارئ في ثنايا هذه المقالة التي هي انطباعات ومشاهدات شخصية لبعض المواقف التي عشتها ويغلب عليها السلوك الحضاري الذي يتصف به الشعب الإندونيسي، فالابتسامة حاضرة معه واستعداده لتقديم الخدمة لأي إنسان، فالشوارع والأزقة مكتظة بالسيارات والمارة من الجنسين والتي تسهم في ازدحام مروري شديد مما يجعل السائق في حيرة من أمره ويفكر ما المخرج من هذا الزحام وبلمح البصر وإذا يرجل يؤشر إليه ويطلب منه الدخول من الفتحة التي بجواره تمهيداً لسعيه الطلب من السيارات القادمة بالتوقف ليمكنه من العبور إلى الشارع العام، هذا السلوك هو سمة يتصف بها الشعب الإندونيسي داخل المدينة وخارجها وفي القرى والأرياف حتى وقت الأزمات. وأذكر موقفاً من المواقف التي تعرضت لها في هذه الرحلة كنت في رحلة ترفيهية في منطقة تبعد عن جاكرتا أكثر من (120 كيلو) حيث داهمتنا الأمطار وترتب عليها تساقط الأحجار والأشجار على الطريق العام مما ساهم في إغلاق الطريق وكانت الهمة حاضرة من الشباب الإندونيسي ليسهموا في إزالة هذه المخلفات (ولكن الشق أكبر من الرقعة) لأن الأمطار توالت في التساقط وحالات الانهيار في ازدياد مما جعل السلطات المحلية تستعين بالرافعات والآليات المجهزة لمثل هذه الحالات وقد أعجبت بهذا الموقف النبيل من الشباب الإندونيسي الذي يجسد الوطنية في أعلى درجاتها. أيضاً من المواقف والمشاهد التي عشتها في هذه الرحلة انتشار الاستراحات على الطرق السريعة ومتوفر فيها كل ما يحتاجه المسافر من فنادق ومطاعم وعلى درجة جيدة من النظافة. أيضاً الطبيعة الساحرة والجو المعتدل الجميل وخصوصاً في المصايف وما حباها الله من فواكه وأشجار الشاي المتنوعة. كذلك الشعب الإندونيسي منفتح توجد به عرقيات نصرانية وبوذية وهندوسية بالإضافة إلى الغزو الفكري الذي يحدث عبر الفضائيات والإنترنت والذي أثر في ثقافة الشعب الإندونيسي كغيرها من الشعوب. أيضاً من الأمور التي لفتت انتباهي في هذه الزيارة سماع آذان الصلوات في كل وقت ولاسيما أداء الأذانين الأول والثاني لصلاة الفجر في بعض المساجد وهي إحياء لسنة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم والتي يندر وجودها في الدول العربية والإسلامية. كذلك من الأمور التي أحزنتني هي انتشار ظاهرت التصوف والخزعبلات في بعض المساجد في جاكرتا والضواحي والقرى القريبة منها فتجد بعض أئمة المساجد يمارسون بعض الطقوس المنافية لسنة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم. أيضاً من المشاهد الخطيرة قيام بعض الدول الإسلامية بتصدير عقيدتها وأفكارها المنحرفة إلى إندونيسيا من خلال إقامة مراكز للدعوة في جاكرتا بهدف إخراجهم من مذهبهم وتشكيكهم في المذهب الذي هم عليه وإغرائهم بالمال والبعثات الدراسية لإعدادهم لخدمة مذهبها ومعتقداتها وهذا مناف للأعراف الدولية التي تمنع التدخل في شؤون الغير ولاسيما أن إندونيسيا دولة مسلمة وليست دولة طائفية. ونتيجة لهذه الزيارة خرجت بانطباع أن الحكومة الإندونيسية تهتم بالقرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة وهي لا تمانع في من يخدمهما من خلال ترسيخ الوسطية البعيدة عن الغلو والتطرف، فلهذا أطالب وزارة الشؤون الإسلامية بتفعيل الوقف والتنسيق مع رجال الأعمال في المملكة لإرشادهم بالاستثمار في البضاعة التي لن تبور من خلال الإكثار من إقامة مراكز الدعوة والإرشاد في جميع المناطق والمدن الإندونيسية تحقيقاً لقول الرسول صلى الله عليه وسلم (لأن يهدي الله بك رجلاً واحداً خير لك من حمر النعم) مع تقديري للدور الذي يقوم به مركز الدعوة في جاكرتا التابع لوزارة الشؤون الإسلامية. [email protected]