الحمد لله الذي حكم على نفسه بالبقاء وعلى خلقه بالفناء، قال تعالى: {كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ وَيَبْقَى وجهُ رَبِكَ ذو الجلالِ والإكرام}. الموت سنَّة الله في خلقه يتجرّعه كل حي.. نعم هذه هي الحياة وهذا منتهاها. ولكن قد تختلف النهايات؛ فمنهم من هو سعيد بنهايته، ومنهم من هو حزين بنهايته يقول الله تعالى: {وَقُلِ اعْمَلُواْ فَسَيَرَى اللّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولهِ}. لم يكن يوم وفاة سمو الأميرة صيتة الدامر يوماً عادياً على محبيها ونحن ممن يحبها.. كان يوماً سالت فيه الدموع والتف قصرها بالحزن. نعم إنه أقل ما يقدّم لهذه الإنسانة بكل ما تعني الإنسانية - عاشت جلَّ وقتها وحياتها يداً بيد مع الملك الصالح خالد بن عبدالعزيز -رحمه الله - في إدارة شؤون الحياة الأسرية وتقديم الخير والعطاء.. كان من حرصها على عمل الخير أن جعلت يدها معطاءة وسبَّاقة لكل من تحس أنَّ به حاجة إلى ذلك.. اتسمت بكل أصناف الورع والحكمة، كان في حياتها لغز لا يستطيع أحد أن يفهمه.. إنه لغز الحياة والعبادة والصدقة والحكمة والمشورة. امرأة ولا كل النساء، كانت حياتها مليئة بالخير، كانت أماً ومعلّمة صالحة لأبنائها.. تعلّموا منها كيفية التعامل وعمل الخير والحكمة والرأي السديد.. كانت - رحمها الله- مدرسة الحكمة وهبت حبها وفكرها لأفراد أسرتها والمحيطين بها، عاش كل أقطاب أسرتها بعد رحيل الملك الصالح خالد بن عبدالعزيز، فلقّنتهم - رحمها الله- دروساً في الحياة والدين فجعلوا أنفسهم محبة للخير وجليل المكارم.. وها هي قد رحلت بكل مآثرها العطرة تاركة بصماتها لأسرتها تمثّلت في ابنها البار صاحب السمو الملكي الأمير فيصل بن خالد بن عبدالعزيز، الذي وهب نفسه وحياته في برّها فلم يكن يغيب عنها حضورياً للقرب منها وقتاً طويلاً ناهيك عن اتصالاته ليطمئن عليها وعن بقية أسرته، نعم هذا هو الأمير الشاب صاحب الفكر النيِّر والحكمة الثاقبة سائر على نهج ما رسمته لهم من طريق الخير ومد يد العون لكل محتاج، وكأني به يقول (لو كان هذا الدهر يقبل فدية عنك لكنت أول فاد)، ولكن عزاءنا وعزاءك يا سمو الأمير أن نقول - كما أمرنا الله به أن نقوله إذا حلّت بنا فاجعة أو مصيبة-: {إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعونَ}، هذه هي دروب الحياة؛ لا تخلو من الكدر والمنغصّات. أحسن الله عزاءكم في والدتكم ولكل أفراد أسرتها، فأنت رمز للوفاء، فوالدكم ووالد الجميع وفقيدتكم رسما لكم الخطى والنهج القويم، وأنت من مشى على نهجهما، رحمهما الله رحمة واسعة وأنزلهما في منازل الشهداء والصديقين وحسن أولئك رفيقا. د. علي سعيد آل صبر - أبها