ذكرت في المقال السابق أن الدعم الحكومي الكبير للسلع الاستهلاكية بصورته الحالية محدود الجدوى للمواطن وتكلفته على الدولة كبيرة جدا وذلك لثلاثة عوامل رئيسة، أولها أن النمو كبير في الطلب الكلي في ظل التزايد المستمر في الإنفاق الحكومي يسهل على المنتجين والتجار تمرير زيادات كبيرة غير مبررة في أسعار السلع الاستهلاكية، ثانيها أنه دعم شامل غير مقيد بكميات محددة ينتج عنه بالضرورة استهلاك جائر للسلع المدعومة، وأخيراً أن وجود ما يزيد على 15 مليون أجنبي في المملكة يعني أن جزءاً كبيراً من هذا الدعم لا يصل إلى المواطن ولا يستهدفه تحديدا. حل هذه الإشكالية يتطلب إلغاء كافة برامج دعم السلع الاستهلاكية بما في ذلك دعم الوقود والكهرباء والماء واستبدال هذا الدعم ببطاقة تموين ذكية فكرتها كالتالي. يُصدر بطاقة لكل أسرة سعودية تحتوي على قائمة بالسلع المدعومة والحدود القصوى لما يمكن شراءه من كل سلعة بسعر مدعوم مع وضع حد أعلى لإجمالي قيمة مشتروات هذه الأسرة من السلع المدعومة شهريا، وهذه الحدود تعتمد فقط على عدد أفراد الأسرة دون اعتبار لمستوى دخل الأسرة. وللإيضاح لنفرض أن قيمة البطاقة التموينية الذكية لأسرة مكونة من خمسة أفراد تبلغ 4000 ريال شهريا والحد الأعلى لما يحق لها شراؤه من الدجاج بسعر مدعوم هو 15 كيلو شهريا، ولنفرض أن سعر الدجاج في السوق يبلغ 25 ريالاً للكيلو بينما لا يتجاوز سعره المدعوم 10 ريالات للكيلو فقط. ولنفرض الآن أن هذه العائلة اشترت خلال شهر واحد 20 كيلو من الدجاج، في هذه الحالة ستشري ال 15 كيلو الأولى بسعر 10 ريالات للكيلو بينما الخمسة الإضافية ستضطر لشرائها بسعر السوق البالغ 25 ريالاً للكيلو. أيضاً لن يكون بمقدور هذه الأسرة شراء جميع السلع المدونة في هذه البطاقة بحدودها العليا المتاحة، فقيمتها الإجمالية في هذه الحالة ستكون أكبر بكثير من الحد الأقصى الشهري لإجمالي مشترواتها من السلع المدعومة، وستكون كل أسرة مضطرة لانتقاء السلع الأكثر نفعاً وبالكميات التي تناسب حاجتها الحقيقية فقط، تفادياً للوصول إلى الحد الأقصى الذي بعده ستكون مضطرة لشراء جميع السلع بسعرها السوقي غير المدعوم، ما يحد من الإسراف في الاستهلاك ويرفع الوعي الاستهلاكي ويزيد من كفاءة استخدام الموارد. ونصف هذه البطاقة «بالذكية» كونها بطاقة إلكترونية يمكن استخدامها في أي مركز تسوق مشارك في هذا النظام تتيح خصم آلي لقيمة المشتروات من البطاقة، وتحدد ما تتحمله الدولة وما يتحمله المستهلك من قيمة الفاتورة، وتحدد الكميات المتبقية من كل سلعة التي يمكن شراؤها بسعر مدعوم حتى نهاية الشهر، وكل ذلك يتم من خلال نظام إلكتروني مركزي موصول بكافة منافذ التسوق بالمملكة. إنني على يقين أن تبني مثل هذه البطاقة وإلغاء كافة أشكال الدعم الحالي للسلع المختلفة سيخفض فاتورة الدعم الحكومي الحالي بما لا يقل عن 70%، وستتراجع أحجام الاستهلاك من السلع المختلفة بشكل كبير جدا، وسيتوقف هدر الموارد ومن بينها وأهمها مصادر الطاقة التي جعلتنا نستهلك حالياً حوالي 40% من إنتاجنا النفطي، وفوق ذلك كله سيصل كامل الدعم للمواطن فيتحسن مستوى معيشته بشكل أفضل وأكثر كفاءة . [email protected] أكاديمي وكاتب اقتصادي *** on twitter @alsultanam