قرأت مقال الكاتب محمد آل الشيخ في صحيفة الجزيرة العدد 14696 يوم الأحد10 من صفر 1434 بعنوان: (كي لا يسبق السيف العذل) وعجبت أشد العجب التوظيف غير الموفق للألفاظ والمصطلحات والإحصاءات. نقل الكاتب عن وزير العمل أن [مليون وسبعمائة ألف] امرأة سعودية عاطلة عن العمل، وأنا أقول إن هذا الرقم قليل جداً لأني أجزم أن ربات البيوت في بلادنا لا يقل عددهن عن ثلاثة ملايين امرأة عاطلات عن العمل بمفهوم محمد آل الشيخ وهي نسبة لا مثيل لها في أي بلد في العالم حسب ما عرفت ورأيت ؛ وهذا رقم (خطير)، ولكني عرفت ورأيت وتأكدت أن تلك النسوة ومنهن أمي وأم محمد آل الشيخ قد قمن بمهمة جليلة ونهضن بأمانة عظيمة، وأدين واجبا ساميا شريفا تلك المهمة والأمانة والواجب كان من إنتاجها وما أروعه تربيتي وتربيتك ؛ فأمهاتنا غفر الله لهن وأعظم أجرهن قد ربت الواحدة منهن عشرة أو خمسة عشر من البنين والبنات ولم يكن عندهن خادمات أو طابخات وإنما كن وأقولها بكل فخر واعتزاز: أمهات وطبيبات وممرضات ومعلمات لجيل سعدت به بلادنا وهو من يدير شؤون مملكتنا الغالية. والكاتب والقراء جميعا يعرفون أن بلادنا لم تعرف عملا للمرأة خارج بيتها إلا منذ زمن ليس بعيد جداً. والكاتب والقراء جميعا يعرفون يقينا أن الطالب في المدارس الأولى في بلادنا كان يأخذ شهادة الابتدائية فيكون مؤهلا للتدريس، وقد أصبح عدد من أولئك مدرسين أكفاء شرفت بالتتلمذ على أيديهم الكريمة فكانوا خير معلمين عرفتهم، وما السر في ذلك إلا لأنهم (تخرجوا) على يد أمهات كريمات نهضن بواجبهن بكل عزم وصدق وصبر واحتساب. فهل كانت أمي وأمك عاطلات؟ وإذا كنت تتحدث أنت ومن يردد ذلك الرقم (مليون وسبعمائة ألف) تتحدثون عن نساء تعلمن ولم يجدن وظيفة ؛ فهذه عجيبة أخرى؛ لأن عندنا ضعف ذلك الرقم من الرجال يحملون شهادات ولم يجدوا وظائف أو لم يبحثوا عنها. والسبب في ذلك معروف ليس عندنا فقط وإنما في جميع دول العالم ؛ فالتعليم ليس الغرض منه وجود وظيفة حكومية أو غيرها وإنما الغرض الرئيس للتعليم هو التثقيف والإعداد للحياة ومسؤولياتها المتعددة وفي مقدمتها بناء المجتمع الواعي المثقف السليم من لوثات الانحراف ومفاسد الأخلاق والسلوك. وهناك حقيقة وعاها أبي وأبوك وأجدادنا وهي أن قوامة الرجل على المرأة ليست قوامة التسلط والظلم وإنما قوامة الرعاية والإنفاق والقيام بكل مسؤوليات البيت المادية والمعنوية ولذلك لم تحتج نساؤنا على مر القرون للعمل من أجل توفير المعيشة لهن أو لمن ينفقن عليه لأن ذلك كله من مسؤوليات الرجال فقط. بل يذهب الإسلام إلى أن يسمو بالمرأة إلى قمة التكريم وذلك حينما يسمي بيت الرجل الذي بناه بماله وبجهده فقط يسميه بيت المرأة (الزوجة) فيقول الله تعالى: يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاء فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ وَأَحْصُوا الْعِدَّةَ وَاتَّقُوا اللَّهَ رَبَّكُمْ لَا تُخْرِجُوهُنَّ مِن بُيُوتِهِنَّ فسمى بيت الزوج بيتا للزوجة وهو في الأصل بيته الذي بناه بماله وحده، فلم تحتج المرأة وهي في ظل رعاية أب كريم أو زوج كريم وتبقى بعد ذلك حالات فردية تقدر بقدرها وقد حصلت في بلادنا فيما مضى وعالجت معالجة رائعة حيث كانت المرأة المحتاجة لفقر زوجها أو مرضه أو أرملة فقير كانت تلك المرأة تعمل وتنتج في بيتها فكان لبعضهن دخل يفوق دخل بعض الرجال. ثم إن الدولة المسلمة ملزمة بتوفير العيش الكريم للفقراء والمحتاجين ولذلك شرعت الزكاة والصدقة وأوجدت بلادنا ولله الحمد الضمان الاجتماعي والجمعيات الخيرية وغيرها. فلماذا يشق على المرأة الكريمة الفاضلة المربية بالركض وراء أعمال شاقة محرجة صارفة لها عن رسالتها ودورها أما وزوجة. ومن المحزن لكثير من الأزواج الآن أن يأتي لبيته فلا يجد زوجته لأنها في عمل خارج البيت ثم تأتي وهي متعبة مرهقة لا تستطيع القيام بحقوق الزوج والأولاد أو حتى السماع لما يوجه إليها من طلب أو شكوى أو المساهمة في حل مشكلات الأطفال وغيرهم من أفراد الأسرة. والذي يظهر لي من كثرة الكتابات عن عمل المرأة هو العمل خارج البيت لذات العمل، لا للحاجة إليه، والتغيير لذات التغيير، لا لطلب حال أحسن وأفضل! أما اقتران الحديث عن عمل المرأة بالحديث عن قيادتها للسيارة فهو يذكرني بما ينسب لأحد الشعراء حينما طلب من الخليفة كلب صيد فأعطاه إياه، فقال لابد لي من فرس أطارد بها الصيد فأعطاه إياه فقال لابد لي من خادم تشوي لنا الصيد، فأعطاه، فقال: قد جعلت عندي عيالا ليس لهم بيت، فأعطاه البيت! ودعاة عمل المرأة خارج البيت يسلكون هذا المسلك! وإلا فهم يعرفون أن شوارعنا مزدحمة جداً وليس فيها إلا رجال يقودون السيارات فكيف لو قادت النساء، إلا إذا كان من الممكن سقف الشوارع المزدحمة جداً ليكون دور للرجال ودور للنساء ثم إن الحوادث المرورية وصلت عندنا إلى حد فاق المعدل الموجود في كثير من الدول فهل يراد لنا حال أسوأ، وتكفي ظاهرة التفحيط التي تفاقم أمرها فهل ينقصنا تفحيط بنات! يا معشر المتباكين على عدم قيادة المرأة للسيارة أعطونا حلولا عملية ممكنة لعلاج ظاهرة التفحيط التي قتلت شبابنا وأهدرت أموالنا قبل أن تنادوا بصب الزيت على نار التفحيط، وأخيرا عجزت عن فهم المراد من قول محمد آل الشيخ: كي لا يسبق السيف العذل، ولم سوى أن هذا المثل استعمل في عكس معناه، وكان أجدر بالكاتب أن ينادي بعلاج ظاهرة التفحيط لأن السيف فيها قد سبق العذل، فخسرنا المئات من شبابنا والملايين من أموالنا ولا نريد أن تقتل بناتنا، أصلح الله الأحوال وهدانا جميعا صراطه المستقيم. عبد العزيز بن صالح العسكر - الدلم