المتوكل الليثي قال يوماً: «لسنا وإن أحسابنا كرُمت... يوماً على الأحساب نتكلُّ نبني كما كانت أوائلنا... تبني ونفعل مثلما فعلوا» والثقة فيما فعل الأوائل من ذوي الأنساب أنه الكثير، ذلك بوضعهم لبنات استحالت على أيدي المطبلين على أنسابهم لأطلال..! هم في زمنهم فعلوا ما لم يفعله أبناء زمن الآلة، والنانو، والإلكترون، والصناعة، والمواصلات, والاتصالات، والمال، وخيرات الأرض، وعلوم الفضاء..! في أول عهدهم بالكلام تغنوا بأمجاد من سلفوا, وفي آخر عهدهم بالاختلاف تنابزوا بالأنساب، وتناحروا بالخلاف.. ضيعوا لبن الأثداء، وأبقوا على رفات الأنساب.. فلا بلغوا مورداً، ولا أنجزوا موعداً.. كانت قد ضربت على صدورها أمهاتهن، وعْدا أن يكون أبناؤهن بناةً، لا هارفين بما لا يعرفون..! حتى وإن طالت بهم المشقة في الدروب، كان عليهم أن يصلوا الماضي بالحاضر، وأن يزيدوا لشرف التشريف، جهدَ التكليف.. فهم وإن هم من خير أمة تخيرها ربُها على الأرض, فقد كلفوا بالرسالة اتباعاً، لا ابتداعاً، وحملوا أمانة العبادة، وحسن الإيمان، وصدق اليقين، ودعوة الحق، ... إلا أنهم فرطوا كثيراً في الموازنة بين ما لهم، وما عليهم، وفي المواكبة نحو ما يُرتجى منهم.. لم يتبعوا خطى القوافل في وعثاء المسافات.. ولا ركبوا لها صعاب الخطوات.. خلف الأوائل، والنماذج.., بل أقفوا عنها غفلة.. وعمداً.. لم يستنطقوا حِكم الشعراء، رموها في دفاترها القديمة ينقب عنها راحل في ليل.. لم يستوعبوا غاية الاختيار فيهم.., فرطوا فيها لهاثاً وراء برقٍ ليس من ورائه إمطاراً.. وطحين ليس منه رغيف..! حملوا أنسابهم أسماءً، وجافوها أفعالاً.. ترى لو رفع رأسه «المتوكل الليثي أبو جهمة», فأين سيجد قوله المرسل من واقع الفاعل، والمستفعل من المتفاخرين بالأنساب منهم لا بالأعمال من حفدته.., وحفدة حفدته، وحفدة من تغنوا بإرثهم، وتنكروا لدعاماته..؟!!.. ألا يحزن أبو جهمة المتوكل الليثي، ويردد ما قاله أيضاً: «لا تنه عن خلق وتأتي مثله... عار عليك إذا فعلت عظيم».. وهم يقولون ما لا يفعلون؟!! إذ كثرت الأقوال، وتخلفت الأفعال.. وتمادوا يتفاخرون بالأنساب.., يتبارزون بالألقاب.., وبالمنازل، والربوع.. وبما كان، وكان.. والشمس تصهد كل شيء,.. والمقابر تفتح فاها...!! والأيام حبلى..! عنوان المراسلة: الرياض 11683 **** ص.ب 93855