تتوجّسين مراراً أيتها السمراءُ المنتفخةُ الوجنتين، وما أنا إلاّ ظلٌ لمن عاشوا قبل آلافِ السنين.. مَن استعصوا على الموتِ وغابوا تحت ردْم يأجوج فمكثوا أشباهَ ظلالٍ تسعى كالأشباح كما شجرةٍ ترتجفُ أوراقُها لتُفزعَ الغربانَ المتشبثةَ بالأغصان.. نظراتُكِ المختلسة بمرحٍ تتصنّع اللامبالاة ! ربما تمنحينني سلوى رفقتك لأمنحكِ مجدَ مرافقتي ربما أميلُ إليك لسببٍ ما.. ليس لأنني أندبُ في مرآكِ شبابيَ الشارد ذلك الذي ينأى ورائي كآمالِ كلكامش الحياةُ ثمينة لا نبيعها بالأسى.. هلمّي إلى المقهى المطلّ على الغابة إلى مائدةٍ يمنعها عن احتضان الغابة سورٌ خشبيٌ سورٌ من قيودِ أغصانِ الأشجارِ بالحبال.. سنتذاكرُ قُبالَتهُ ال “سياج في الريف" 1.. ذلك الذي يشاكسُ المسكونينَ بالوحدة الممسوسينَ بلعنةِ الشعر! فنتشفّى ساخرين من وداعته المتصنّعة.. ستدلهمّ الغابةُ بُعيدَ الغروبِ فلا ترتاعي ستكتظّ بالأسرار.. فالأسرارُ حكاياتٌ تسترقّها أفنانُها من الريح المهذارة، وجذورُها من التربة المُدَلّسة لأحقابٍ من أديم هذا الأديمُ الحرونُ لم يعبأ بحروبٍ تطعمهُ الأجسادَ ولا بخروجِ يأجوج وهم ينسِلون من حَدْبة أمِّنا العجوز.. راقصيني أيتها السمراءُ المنتفخةُ الوجنتين فالحياةُ سخيةٌ حقاً! تعطي من يشاءُ عُزلَته ومن يشاءُ مسرّاتِه ... سأقصّ عليكِ أحداثَ “مائة عام من العزلة" 2.. كنتُ قرأتُها في مثل عمركِ الآن وظَلَلتُ من حينها أترقّبُ انقضاءَ “مائة عامٍ من الدهشة ! هامش: (1) “سياج في الريف": قصيدة الشاعر العراقي سعدي يوسف. (2) “مائة عام من العزلة": رواية الكولومبي غابرييل غارسيا ماركيز.