الشاعر محمد محمد الشهاوي صوت شعري له نبرته الخاصة، تتميز تجربته بالاتكاء على الموروث الصوفي؛ ما أكسب لغته الشعرية شفافية كبيرة، ومنحه حضوراً مميزاً في الساحة الشعرية المصرية. للشهاوي دواوين شعرية عدة، منها «ثورة الشعر» 1962، و»قلت للشعر» 1972، و»مسافر في الطوفان» 1985، و»إشراقات التوحيد» 2000 و»أقاليم اللهب ومرايا القلب الأخضر» 2001. هنا حوار معه حول تجربته الشعرية: * هناك بُعد تراثي عميق في شعرك، إلى أي جذور يعود هذا البعد؟ - القطيعة المعرفية ادعاء تدحضه الحقيقة، وبالنسبة لي لم أعثر على ذاتي إلا بعد أن تأسست تراثياً. وتحصيلاً، أنا ابن أستاذ كبير جداً، اسمه «التراث العربي» شعراً ونثراً، وبهذا فإنني مولود طبيعي، لم يلده الفراغ. وأرى أن الاستمرارية إنما تقوم على أساسين، يجب ألا يفترقا: الأصالة والمعاصرة؛ فبالأصالة نتعرف جيداً على أصولنا وتراثنا وموروثاتنا، وبالمعاصرة نرتحل إلى آخر الدنيا؛ لنلتحم بكل ما تنتجه القريحة الإبداعية الآنية من جدة وابتكار؛ فالإنسان ليس ابن يومه فقط، وإنما هو ابن أمسه ويومه وغده. * هناك أيضاً تجليات صوفية تخترق نصك الشعري؛ ما جعل بعض النقاد يصفك بالشاعر المتصوف، كيف ترى ذلك؟ - ظاهرة التصوف في شعري ليست ظاهرة صوتية أو نوعاً من توظيف المصطلحات، وإنما التصوف في شعري واقع معاش، أحياه منذ أن تفتحت عيناي على هذه الدنيا. ويقيني أنني ابن شرعي للمجاهدة والمكابدة اللتين كانتا وسوف تظلان عماد حياتي حتى آخر لحظة في عمري. * البعض دائماً يربطك بقصيدتك الشهيرة «المرأة الاستثناء» نظراً لحصولها على أكثر من جائزة، هل ترى في ذلك ظلماً لتجربتك؟ - «المرأة الاستثناء» واحدة من قصائدي التي أنتجتها نار المواجيد، و»المرأة الاستثناء» وإن تكن امرأة حقيقية في حياتي فهي من جهة أخرى ثمرة لتوحد الواقع والحلم والوجد بداخلي، وتلك المنظومة من القصائد الوجدية ليست هي «المرأة الاستثناء» وحدها، لكن ذنب أخواتها أن الناس انشغلوا عنهن جميعاً بتلك المرأة الاستثناء. عموماً، أنا موزع في ثنايا شعري بين «المرأة الاستثناء» وسواها من قصائد. وأرى أنه لا ظلم وقع عليّ، ولا على شعري الآخر؛ «فالمرأة الاستثناء» إنما هي إحدى قصائدي، والمتلقون لهم مطلق الحق في أن يقدموا ما يشاؤون عليها. أنا عندي 14 ديواناً، منها ثمانية مطبوعة، لكن للناس فيما يعشقون مذاهب. أما عني شخصياً «فكلهم أولادي». * أرى أن هناك اهتماماً بالطبيعة داخل النص الشعري عندك، إلام يرجع ذلك؟ - يذكرني هذا بما ينسب إلى علي بن أبي طالب - كرم الله وجهه - «وتزعم أنك جرم صغير وفيك انطوى العالم الأكبر». إنني - وهذه حقيقة - مسكون بالعالم كله؛ فكيف أنشغل بجزئه؟ أنا مشغول بقضايا كبرى «الكون - الإنسان - الحلم - الارتحال إلى كل الدنيا»، حتى وأنا لم أفارق موقعي. صحيح أن شوقي يقول: «قد يهون العمر إلا ساعة.. وتهون الأرض إلا موضعاً»، وصحيح أن أبا الطيب المتنبي يقول: «خلقت ألوفا لو رجعت إلى الصبا لفارقت شيبي موجع القلب باكياً»، لكنه صحيح أيضاً أن تخلق من نفسك سندباداً تتهاوى أمام عيني وجدانه الحواجز المكانية والزمانية. الدنيا كلها جميلة، و»كن جميلاً ترى الوجود جميلاً». * كيف ترى تجربتك في إطار تجربة الحداثة المصرية؟ - لم أحاول يوماً ما أن أرى ذاتي تقييمياً وتقويمياً، إنما انشغالي هو باستمراري في محاولة العثور على ذاتي. وقد حاولت - وما زلت أحاول - تاركاً لمن يقدر له أن يقرأني أن يراني، وأن يضعني حسبما يرى. لقد كتبت وهذا ما أستطيعه، وللآخرين أن يروني وفق تقديراتهم. إنني لم أنشغل يوما ما بالأستاذية، ولكنني منشغل دائماً بكيف أظل تلميذاً حقيقياً. إن مركزيتي هي الشعر، ولا أريد شيئاً آخر سوى الشعر، وما أتمناه أن يبادلني الشعر ذاته إرادة بإرادة وود بود. أما عن موضوع التهميش فإن غربال الزمن جديرٌ بأن يقول يوماً ما كلمته في قضايا لا دخل لي فيها ولا تشغلني.