كان الحديث في عدد سابق من هذه الصحيفة الغراء مركّزا بصفة عامة على أسرة آل دامغ التي كان من ابرز رجالها الشيخ ابراهيم بن عبدالعزيز الدامغ، الذي ولد ونشأ في عنيزة، ثم قضى زمنا في العراق حيث اصبحت له صلة بالملك عبدالعزيز؛محاميا من قِبله عن بعض السعوديين امام المحاكم العراقية، وعضوا في وفد سعودي الى العاصمة التركية, وكان من اوائل من اجرى مع الملك مقابلة صحفية، ان لم يكن اول من قام بذلك، عندما كان محررا في جريدة (الدستور) البصرية التي اسسها عبدالله الزهير، حسبما ذكر د, الشبيلي في مقاله المنشور في جريدة الجزيرة (22/8/1420ه). والآن يأتي دور الكلام عن مضامين بعض ما وجد في أوراق الشيخ ابراهيم الدامغ من صحف وكتب يوضح ما ورد فيها جوانب من سير الاحداث في الفترة التي كتبت فيها. مما وُجد من المطبوعات التي كان ابراهيم العبد العزيز الدامغ يحتفظ بها: كتاب تأييد مذهب السلف: كشف شبهات من حاد وانحرف ودعي باليماني شرف، للشيخ سليمان بن سحمان, وقد طبع في مصر على نفقة الحاج مقبل بن عبدالرحمن الذكير سنة 1322ه وكان الحاج مقبل، رحمه الله، من رجالات اهل عنيزة، وقد اصبح تاجرا مشهورا في البحرين, ولصدقه ونزاهته في معاملاته لقب فخر التجار, وكان من محاسنه طبع عدد من الكتب القيمة؛ وبخاصة الاعمال الحنبلية. ومن المطبوعات التي وجدت في بيت الشيخ ابراهيم الدامغ كتاب من اثنتين وثلاثين صفحة؛ عنوانه: هلال انقره العثماني: قائد الشرق العظيم الغازي مصطفى كمال باشا، تأليف محمد عطية علي محرر جريدة وقت التركية السياسية, وقد طبع في مطبعة السعادة. وقال مؤلفه في مقدمته:,, اما بعد فإظهارا لحقيقة الحرب الاناضولية وتذكارا لاعمال وصور مشاهير القواد التركية وعلى الخصوص الغازي المشير مصطفى كمال باشا، بلَّغة الله كل امنية قد ابرزت هذا الكتاب، في هذا الشكل الجميل المستطاب، متكلاً على الكريم الوهاب، خدمة لرجال الوطن والوطنية ولعشاق التاريخ من ابناء امتنا المصرية . وقد اظهر المؤلف في تمهيده اعجابه الشديد بمصطفى كمال باشا، الذي يعرف الكثيرون نتيجة اعماله، كما اظهر فرحته العظيمة عندما ابلغه صديقه عدنان بك خلال حفلة ساهرة في انقرة بانه سيقابله في مكتبه صباح اليوم التالي, وفي المقابلة ترك مصطفى كمال نفسه يقص عليه سيرة حياته؛ نشأة ودراسة مدنية وعسكرية، وعملا في السياسة، وتأسيسا لجميعة الاحرار التي غُير اسمها في سلانيك الى اسم الاتحاد والترقي, ثم تحدث عن الحرب العالمية الأولى ودوره في التنظيم والترتيب لمواجهة خصوم الدولة التركية الى ان وصل الى حكم تركيا. ومما وجد من تلك المطبوعات: العدد التاسع والخمسون من صحيفة البلاغ، التي كان صاحبها ومدير سياستها محمد الباقر, وكانت تصدر في بيروت, والعدد المذكور بتاريخ 14 ذي القعدة سنة 1330ه, وفوق اسم الصحيفة كتب: الله والدين والملّة وتحته كتب: نعمل على إحياء الجامعة الاسلامية في اقطار المعمورة وقد كتب افتتاحية العدد محمد الباقر نفسه بعنوان نحن للحرب خلقنا وورد في تلك الافتتاحية: الاسلام خلق ليبقى حيا في الوجود,, بدأ غريبا في نهضته وسيعود كما بدأ غريبا في نهضته فهو اذا بهر العالم في القرن الاول بفتوحاته فانه سيبهرهم في القرن الرابع عشر بصولاته,, ان للاسلام صولة سوف يشهدها العلوج اذا حُمّ القضاء ووقع البلاء ثم وجه خطابه الى الامة الاسلامية في جميع اقطارها يحث ابناءها على الوقوف امام اعداء الاسلام الذين يصفهم بالأغيار بمعنى الاجانب : يا ابناء الصدّيق، ويا سلالة الخطّاب، ويا احفاد اسد الله الغالب,, يا ابناء هارون، ويا سلالة المعتصم، ويا احفاد صلاح الدين ان الغربيين يريدون ان يذلوا نفوسكم ويقوّضوا دعائم سلطتكم,, يا ابناء عثمان، ويا سلالة الفاتح، ويا احفاد سليمان انهم يودون ان ان يلاشوا دولتكم,, ويطردوكم من بلاد اشتراها اجدادكم العظام بدمائهم الشريفة,, وانتم يا ابناء الناصر، ويا سلالة تاشفين، ويا احفاد المعتمد ان الاعداء قد استولوا على بلادكم,, فلا تستسلموا لحكمهم ولا ترضخوا لسلطتهم، فان الاستسلام ذل، والرضوخ ضيم,, وانتم يا ابناء كسرى، ويا سلالة عباس، ويا احفاد نادر ان الاغيار قد احاطوا بكم من الشمال والجنوب,, فصادموهم صدام الابطال,, ثم اختتم افتتاحيته بقوله: الله الله أيها المسلمون, ان الاغيار ولا استثني واحدا مصممون على ملاشاة الدولة العثمانية، دولة الخلافة الاسلامية، ومحو الدين الاسلامي، وقد قطعوا السواعد، وبقي القلب، فاحتفظوا به ان كنتم تؤمنون بالله ورسوله وحاشاكم ان لا تكونوا مؤمنين . وبعد تلك الافتتاحية مقالة طويلة بعنوان كيف يسود السلام لمحمد الكاظمي, وهي تتحدث عن سياسة المستعمرين التجهيلية لمستعمراتهم, ثم رصد للاحداث السياسية التي كان طابعها العام اخبار عن الحرب في جبهات الدولة التركية المختلفة؛ وبخاصة البلقان, وبعد ذلك وردت مقالة عن المسألة الشرقية: كيف نشأت وكيف تنتهي؟ ثم مقتطفات من اقوال صحف أخرى، ورسائل من القراء, ومما ورد فيها ما نشرته صحيفة الرأي العام من ان انور بك ارسل برقية الى الآستانة يحتج فيها على عقد الصلح مع ايطاليا، وانه ورفاقه الضباط والجنود والعرب قد تعاهدوا على مداومة القتال في ليبيا مفضلين الموت على حياة يرون فيها دولة ايطاليا تطأ بلادهم وتدوس ارضهم تلك الارض التي سيطلع منها نور الدعوة الاسلامية,, فيعيد ذكرى فتوحات عمر وخالد وعمرو ومعاوية وصلاح الدين وموسى وطارق ومحمد الفاتح وسليمان، ويجدد عهد الخلفاء الراشدين والامويين والعباسيين, لقد حان الوقت الذي يسل فيه السنوسي سيفه من غمده ويرفع فيه صوته داعيا اخوانه المسلمين لنصرة الدولة العثمانية,, لتخليص طرابلس والقيروان من يد تقبض على عنق اولئك الاحرار الكرام . ومما وجد في المطبوعات التي خلفها الشيخ ابراهيم الدامغ عدد من جريدة صدى الدستور بتاريخ 3 شعبان سنة 1332ه وصاحب الجريدة عبدالوهاب طباطبائي؛ وكانت تصدر كل جمعة في البصرة وقد ذكر لي الدكتور عبدالرحمن الشبيلي ان هذه الجريدة هي امتداد جريدة الدستور التي كان اصدرها عبدالله الزهير، وتعاون معها ابراهيم الدامغ، عندما اجرى المقابلة الصحفية سنة 1331ه مع الملك عبدالعزيز في اثر دخول الاحساء, وقد كتب تحت اسمها جريدة سياسية ادبية اقتصادية,, وكانت افتتاحيتها بعنوان: الاتفاق بين الدولة العلية وابن سعود وقد ورد فيه: في اواخر شهر جماد الاول (هكذا) من العام الماضي احتل الامير عبدالعزيز السعود مدينة الاحساء ونواحيها لاسباب لا محل لذكرها الآن، واخرج منها الحامية العثمانية معززة مكرمة بدون ان ينالها اقل اذى وكانت تبلغ نحو خمس مئة عسكري, وبعد هذا الاستيلاء بأيام قليلة حاول القائمقام نورس بك بمن معه من الجنود الحامية ان يعيد الكرة على ابن سعود ويستولي على مدينة القطيف ومياء العقير التي هي فرضة الاحساء, ولكنه فشل فشلا عظيما, وكادت الجنود تهلك من العطش لو لم يتداركهم قبطان الباخرة جان سكوت, واخيرا رأى القائد المومأ اليه ان يعود بعسكره الى مدينة البصرة وينتظر فيها اوامر الحكومة التي كانت وقتئذ مشتغلة بحرب البلقان, وبعد ذلك دارت مخابرات طويلة بين الحكومة العثمانية وابن سعود على وضع قاعدة للاتفاق والوئام، ولكنها لم تسفر عن نتيجة مرضية, ومنذ ثلاثة اشهر اناطت الحكومة العثمانية بحضرة عميد العراق، سيد طالب النقيب، حل هذا الخلاف على وجه يرضي الطرفين, فلبى عطوفته طلب الحكومة، وشمر عن ساعد الجد، واخذ في مخابرة الامير عبدالعزيز السعود, ومن ذلك الوقت والناس مجمعون على ان المسألة قد انتهت بسلام, وذلك نظرا لما يعرفونه من اقتدار حضرة العميد ودرايته فضلا عما له في قلوب امراء العرب من المنزلة السامية والمقام الرفيع. وفي اوائل شهر جماد الثاني (هكذا) توجه عطوفته الى الكويت مع الوفد الذي تألف تحت رياسته لمقابلة الامير عبدالعزيز السعود في قرية الصبيحة, فقابلوه هناك, وتذاكروا معه مليا في حسم الخلاف، فوجدوا منه فوق ما كانوا ينتظرون من المحبة والاخلاص والمطاوعة والانقياد للدولة العثمانية, وبيّن لهم الظروف والاحوال التي ألجأته الى احتلال نجد (1) وقال انني كنت ولا ازال,, قائدا من قواد الدولة المطيعين, فعاد الوفد منه مبتهجا مسرورا بما سمع ورأى، وانهى ذلك كله الى المقامات العالية. ويسرّنا ان الحكومة قد تحقق عندها الآن صدق نوايا هذا الامير الجليل، فوجهت اليه ولاية نجد مع قيادة جندها رسميا، واعلنت ذلك على جناح البرق, فكان لهذا الخبر رنة فرح وسرور عند جميع العثمانيين المخلصين الذين ينظرون الى الامور نظرة عاقل خبير باحوال المكان والزمان، ولا خلاف بان الحكومة الحاضرة قد ادركت العواقب وعرفت ما ينتج من مغبة الخلاف وسوء التفاهم, فلها مزيد الشكر على هذه السياسة الرشيدة من كل عثماني صادق. وهنا لا يسعنا ازاء ما تم الا الثناء على الهيئة الاصلاحية ورئيسها عطوفة العميد الكبير الذي تمكن بحسن سياسته ودرايته وعمق وطنيته واخلاصه للدولة والامة من التوفيق بين مصالح الطرفين وحل المسألة على وجه ارضي به الفريقين,,,نسأل الله في الختام ان يكثر من امثاله في رجال الامة، وان ينصر الدولة العلية، ويجعل الوفاق الوئام محكم العروة دائما بينها وبين امراء العرب الكرام . وفي صفحة من ذلك العدد وردت برقية من ناظر الحربية التركية انور باشا يهنىء فيها الملك عبدالعزيز، هذا نصها: الى والي نجد وقوماندانها عبدالعزيز باشا السعود نمرة 48 أعرض التبريكات راجيا من المولى تعالى ان يوفقكم لبذل الخدمات المبجلة في سبيل الدين والدولة,,. ناظر الحربية أنور وفي العدد نفسه اخبار عن حركة تمرد على الدولة في الزبير، وخبر عن ان الدويش، شيخ عموم مطير، احس بالخطأ، وارسل الى مدير ناحية الزبير، ابراهيم الراشد، يطلب تجديد المحبة والاخاء، وانه مستعد لتأدية جميع ما اخذته عشيرته في طريق البصرة والزبير من اموال، وان الراشد كتب الى والي البصرة والسيد (النقيب)، فاستحسنا الامر وكتبا الى الدويش يعربان عن رضاهما عنه ويطلبان منه الحضور الى البصرة لتنفيذ ما تقرر. وفي العدد نفسه مواد اتفاق بين الدولة العثماينة وألمانيا، واكثرها خاصة بالاقتصاد كتنظيم الجمارك والامتيازات وسكة حديد بغداد. (يتبع) *(عضو مجلس الشورى) 1 من المعروف ان المراد منطقة الاحساءوالقطيف التي كان العثمانيون يسمونها نجدا، وقد عرف هذا اللقاء فيما بعد باجتماع الصبيحة.