من نعم الله على عباده، أن جعل العبادات ليست على وتيرة واحدة، بل خفّف الله عن المهتدين لتعاليمه، والحريصين على التطبيق، فكانت ميسّرة حسب الطاقة، فلو كان الصيام طوال العام، لما أطاقه الإنسان، بل إنه يثقل عليه في بعض فصول السنة حيث يتقلّب الجو، ويكون للجسم البشري مطالبه، علاوة على تأمين المعيشة بطلب المكسب الحلال، والسعي في مناكب الأرض وتقلّب الجو هذا ما بين حرّ لافح، وبرد قارس. ولو كانت الصلوات المفروضة، أكثر من كونها خمس مرات في اليوم، لما استطاعت أمة محمد أداءها، كما قال موسى عليه السلام لرسول الله صلى الله عليه وسلم، ليلة الإسراء والمعراج، عندما فرضت خمسين: ارجع يا محمد إلى ربك واسأله التخفيف، فإن أمتك لا تطيق ذلك، وقد جربت بني إسرائيل من قبل. ولو كان الحج لبيت الله الحرام، على جميع الناس في كل عام، لتعطّلت مصالح الناس، ولطمع العدو في ديارهم: انتهاكاً واستيلاء عندما تخلو بذهاب أهلها إلى مكة لأداء الحج المستمر، فيصيرون طعمة للطامعين. ولو كانت الزكاة، كما فرضت على من كان قبلنا، تجمع في مكان، ولا يُنتفع بها حتى تأتي نار فتحرقها علامة للقبول، أو تبقى في مكانها لا يقر بها أحد, إذا لم تكن مقبولة، لحصل بسبب ذلك أضرار كثيرة: بشريّة بسفك الدماء غَيرةً وحسداً، كما هي الحال لابني آدم، حيث سُفِكَ أول دم حرام على وجه الأرض، ولما وجد الفقير ما يعينه على فقره وإعالة أولاده، حيث ينشأ بسبب ذلك حقد من الفقراء على الأغنياء، وتطاول في الأخذ لما بين أيديهم، مما يسوّع ميدان الجريمة، ويورث الشحناء والتقاطع. وهكذا في سائر الشرائع في دين الإسلام، عندما يتبصّر فيها الإنسان، يجد أن العناية الإلهية، نوعّت العبادات ما بين قلبية عقائدية، وبدنية يؤديها الإنسان بنفسه عن نفسه، ولسانية لا تكلف جهداً بذكر الله وتسبيحه وتحميده وتكبيره، وبتلاوة كتابه الكريم تُعبداً وتلاوة، وللعمل بما فيه من أمر، والاجتناب بما يحذر منه من نهي، والعبرة بالعظة والآيات، التي جاءت في الأمم السابقة، والعاقبة لمن يعاند شرع الله، ويبتعد عن دينه الحق. وبالأمس ودّعنا شهر رمضان، ومرّت أيامه سراعاً، بما فيها من فرص ذهبية، وخيرات أفاءها الله على عباده,, فاقتطف من ثمارها من وفقه الله لحسن الاقتداء، وتأدية العمل باخلاص فيه، وحسن اتباع، وصدق في الأداء: سواء كان بقراءة القرآن، أو بقيام ما قدر عليه من ليالي هذا الشهر، أو بما جادت نفسه، ولانت مع يده عطفاً وعطاء، وأداء لحق الله الذي منحه المال بأداء زكاته، ومنحه الصحة والعافية، بالصدقة عن كل سلامى من جسمه، بما يناسب عمل كل عضو,, كما جاء في حديث رسول الله صلى الله وسلم للفقراء الذين شكوا إليه، بأن أهل المال والدثور قد ذهبوا بالأجر، حيث يعملون كما يعملون في العبادات البدنية، وزادوا عليهم بالصدقات في فضول أموالهم وهؤلاء لا قدرة لديهم على ذلك لفقرهم، فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن بكل تسبيحة صدقة، وبكل تحميدة صدقة وبكل تكبيرة صدقة، وامر بالمعروف صدقة، ونهي عن المنكر صدقة، وفي بضع أحدكم صدقة,. ولما سمع بهذا الخير الميسر، أصحاب الأموال عملوا بذلك، ولما أخبر صلى الله عليه وسلم بذلك قال: ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء، والله ذو الفضل العظيم. ومن هنا يدرك المتأمل أن المحبين للخير، الحريصين على حسن الأداء، يسابقون إلى الخيرات، ويتلمسون المسارب المؤدية إلىذلك، ليغتنموا الفرص، حيث يسيرون في حياتهم الدنيوية، حاثين الخطأ، كل فرد منهم فيما يهدف إليه، متجهاً إلى هدفه المنشود. وذلك رغبة في التوسّع في المكاسب، وحرصاً على اغتنام الفرص، لأن ربّ رمضان الذي اجتهدوا فيه، هو ربّ الشهور كلها، فلا ينبغي أن يتكاسل الإنسان بعد رمضان، كما قال بعض العلماء، لما قيل له: إن قوماً كانوا يجتهدون في عباداتهم في رمضان، فلما ذهب رمضان تباطؤا وتكاسلوا، وخاصة عن حضور الجمعة والجماعة,, فقال: بئس القوم لا يعرفون الله إلا في رمضان. فالسعيد من يجعل من رمضان، توطيئا وترويضا للجسم على انتهاج طريق تعبدي ثابت، مستمد من روحانية رمضان. ومن دروس رمضان ذات الايحاءات المتميزة، وبرنامجه الثابت: ليلاً ونهاراً, فيجعل لحظواته الكثيرة الحظّ الأكبر لرصيد الآخرة، ليهتم بتعمير داره الباقية، وتزيينها ليسعد عندما تتصرم به أيام الدنيا. وتعمير تلك الدار ليس بالمكسب المادي، ولا ببناء القصور، أو التمتع بمباهج الدنيا، فهذا شيء، إذا كان قد جاء بطريق مشروع، وبمكسب حلال، يجب الاستعانة به على الهدف الأساسي، الذي عيّن اتجاهه إليه, وفي تمكين السبب الذي خلق الإنسان من أجله. وإلا من تسارع الخطا التي تمر بالانسان، ما يجده المرء أمامه ماثلا للعيان، كأمر مشاهد، إذ بالأمس القريب استقبلنا شهر رمضان بصدور منشرحة وأفئدة متلهفة على استثماره، لأنه شهر الخير والبركات، وشهر ينشر الله فيه على عباده الصائمين الأجر والعاقبة الحميدة، لأن من صامه إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه، ومن قام ليله إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه، ومن تعبّد في ليلة القدر، كتب له أجر العبادة أو أكثر من ألف شهر خالية منها,. وفيه كل يوم عتقاء لله من النار، وفي ختامه في ليلة العيد، يعتق الله من النار، مثل ما أعتق في رمضان كله، وكل هذا من فضله سبحانه على عباده، وكرمه لاستجابتهم، لنداء الله عندما فرض عليهم الصوم، فأدّوه بأمانة وصدق كما أمر الله فكان خلوف فم الصائم اطيب عند الله من ريح المسك، وللصائم فرحتان: فرحة عند فطره، وفرحة عند لقاء ربه، يقول سبحانه: الصوم لي وأنا أجزي به، يدع طعامه وشرابه وشهوته من أجلي . وأكرم الله هذه الأمة، التي استجابت لداعي الهدى، وذاقت طعم الصوم، ولذة العبادة معه، بأن هيأ لهم سبحانه فرصة مكملة، بصيام ستة من شوال، التي قال عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم: من صام رمضان وأتبعه ستاً من شوال، كان كمن صام الدهر كله رواه مسلم في كتاب الصوم باب39 استحباب صوم ستة أيام من شوال,, وهذه الايام الستة نافلة وليست فريضة. وقد استحب العمل بصيام ستة أيام من شوال أكثر العلماء، حيث اختلفوا كما قال ابن رجب الحنبلي على ثلاثة أقوال أحدها أنه يستحب صيامها من أول الشهر متتابعة، وهو قول الشافعي وعبدالله بن المبارك، وقد روي في حديث أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعاً: من صام ستة ايام بعد الفطر متتابعة، فكأنما صام السنة، خرجه الطبراني,, وروي مرفوعاً, الثاني: انه لا فرق بين أن يتابعها أو يفرقها من الشهر كله، وهما سواء، وهو قول وكيع وأحمد بن حنبل, والثالث: أنها لا تصام عقب يوم الفطر، فإنها أيام أكل وشرب، ولكن يصام ثلاثة أيام قبل الأيام البيض أو بعدها,, وهذا قول معمر وعبدالرزاق وروي عن عطاء، حتى روي عنه أنه كره لمن عليه صيام من قضاء رمضان، أن يصومه، ثم يصله بصيام تطوّع، وأمر بالفطر بينهما، وهو قول شاذّ. وأكثر العلماء على أنه لا يكره صيام ثاني يوم الفطر، وقد دلّ عليه حديث عمران بن حصين رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم انه قال لرجل: إذا أفطرت فصم . وأما كون صيام ستّة من شوال، بعد صوم شهر رمضان، يعدل صيام الدهر كله، فإنه لما كانت الحسنة بعشر أمثالها فإن صوم رمضان يعدل صيام عشرة أشهر، وصيام ست من شوال يعدل 60 يوماً أي شهرين، فيصبح كأنه صام الدهر، بالأجر الذي أكرمه الله به، والله يضاعف لمن يشاء,. وهذا يدل على مكانة الصيام، وفضله لأنه عمل بدنيّ، ينفرد به الصائم باخلاص مع الله، ليؤديه على ما يحب الله جلّ وعلا، لا رياء فيه ولا مباهاة,. إن العبادات في الاسلام، علاوة على كونها طاعة تؤدى لله، استجابة للأمر، واهتماماً بالتشريع بدون تعديل أو تبديل، كما فعلت الأمم قبلنا، الذين عاندوا وخالفوا أمر الله بتبديل ما كلفوا به، بما تهوى أنفسهم، وما تصبوا به ألسنتهم، تكبراً على الله في أمره، وعناداً بتحريف كلام الله، وتكذيباً لما جاءتهم به أنبياوهم,. هذه العبادات حسب مواسمها وأوقاتها، وعمل الإنسان فيها: بدنيا تعبديا، أو لفظاً لسانياً، أو عقيدة وجدانية وتصديقاً، فهي تعني حسن الاستجابة عند المسلم، ليستفيد منها دروساً وتدريباً تنتظم به العلاقة بين العبد وبين خالقه، بلذة في العبادة، وحرصاً على الصلة بالخالق بذكره جل وعلا وتسبيحه وتحميده، كما أمر بذلك رسوله الكريم صلى الله عليه وسلم,. ومن تلك الدروس التي يستفيدها من وجد لذة الصيام في قلبه، وأثرها في بدنه نشاطاً وصحة وحيوية، وحباً للخير من وجوهه المختلفة,, فكان من حرارة الوداع لشهر رمضان، صيام ستة أيام من شهر شوال ليزداد رصيد الأجر عند الله، الذي يحبّ من عباده الزيادة في الخير، والتسابق في الخيرات. وإن من التعبير عن الأسف لفراق رمضان الذي ودّعه الصائمون، بعد أن مرّت أيامه متسارعة في سيرها، مع أنها كالأيام المعتادة، ولكن أيام السرور قصار,, كما أن أيام المصائب والكوارث التي تمرّ بالإنسان تسير ثقيلة الخطا، للألم الذي أحدثته، والنتيجة التي حلّت بالإنسان,. إذ إن من التعبير لأسف الفراق، تذكر محاسن المودّع، والحرص على تتبّع كل النفحات التي تأتي منه، ورمضان الذي ودّعه المسلمون، قبل ايام قليلة، يحسن بكل مسلم تطعّم اثر العبادة فيه، أن يكون ثابتاً على المنهج الذي تعوّده في هذا الشهر: قوّة على العبادة، وحباً في فعل الخير، وبذلاً للمعروف في مستحقيه، ومساعدة للمحتاجين، بالمال أو الجاه، وتطبيع النفس على حفظ اللسان عن الغيبة والنميمة، وقول الزور والعمل به,. وهكذا الاتجاه لكل خير، والبعد عن كل شرّ، حتى تكون بقية الأيام في الأعمال كرمضان، الذي جعله الله ترويضاً للنفوس، وتهذيباً للطباع,, فربّ رمضان هو ربّ الشهور كلها، والذي حرص المرء أن يعبده سبحانه، وأن يتقرب إليه بالأعمال الصالحة في هذا الشهر جوداً ومسارعة، ليلاً ونهاراً، هو الذي يجب أن تؤدى إليه، تلك الأعمال، في غير رمضان، بقدر طاقة الإنسان، وحسب جهده، وما ثقل عليه في العمل البدني من النوافل، يكمله بالعمل اللسانيّ، لقوله صلى الله عليه وسلم: لايزال لسانك رطباً من ذكر الله ,. واله جلّ وعلا، لا يكلف الإنسان فوق قدرته، كما قال سبحانه: (لا يكلف الله نفساً إلا وسعها) البقرة 286 . فيأخذ المرء من كل عمل قام به عبادة لله، أحسن الاثر الذي تركه ذلك العمل في نفسه، ورمضان تأتي من فوائده العديدة: التعوّد على انتهاج طريق سلكه الإنسان في رمضان، وثبت عليه شهراً كاملاً، وهي نسبة كبيرة بالنسبة للعام كله، حيث أعطيت الأجسام، وما هيأه الله لها من أسباب ومسببات، قدرات في هذا الشهر الذي يسمى شهر الصبر، حيث يدافع المرء شهواته، ويغالب رغباته في مجاهدة للنفس الأمارة بالسوء، فكانت إعانة الله جل وعلا هي الكفة الراجحة، إذ لم ينته الشهر إلا والإنسان يتمنى استمراره، لما في العمل فيه من لذة، وما تركه هذا الشهر من عادات حسنة، أصبحت جزءاً من كيان الإنسان,. فكان الصوم الذي هو من أفضل القربات إلى الله، ميسراً من الله، ومحببا إلى النفوس، وكان من معاودة الصيام لستة أيام من شوال رغبة أكيدة عند الصائم، بحبّ المعاودة للصيام لما فيه من مصالح، كما قيل إن معاودة الصيام بعد الصيام، علامة على قبول صوم رمضان,, ومن قبل صومه فقد فاز فوزاً عظيماً,, والله سبحانه وتعالى: إذا تقبّل عمل عبد من عباده، وفّقه لعمل صالح بعده، كما قال بعضهم: ثواب الحسنة الحسنة بعدها، فمن عمل حسنة ثم أتبعها بعد بحسنة، كان ذلك علامة على قبول الحسنة الأولى، كما أن من عمل حسنة، ثم أتبعها بسيئة، كان ذلك علامة على ردّ الحسنة، وعدم قبولها. كما ينبغي أن يكون الصائم قد استفاد أموراً عديدة، تفيده في نفسه، وفي مجتمعه ومع أهله وولده وذوي قرابته، من حيث التعامل والصبر، والتغاضي عن الهفوات، وانتهاج الدرب السليم في الحديث، وأدب السلوك مع الآخرين، ونبذ العداوات والحزازات، والشحناء، والبغضاء، وما يثير الأحقاد كالحسد ودواعيه، حتى يكونوا إخواناً متحابين، بأدب هذا الدين، وما تتركه شعائره في النفوس من طباع حسنة. إن الحرص على هذه الامور التي هي من فوائد رمضان، يحصل من ثمارها زوال مشكلات المجتمع وجرائمه، بتآلف ابنائه، ومحبة بعضهم لبعض، وبذا تندحر المردة من الشياطين، الذين صفّدوا في رمضان، فيجدون بعد خروج رمضان، واطلاقهم من التصفيد، ان الصائمين لرمضان، قد ودّعوه بصدق، وحرصوا على الثبات على الأمانة التي استفادها في شهر رمضان، بعد أن تروّضت نفوسهم وأعمالهم على طباع حسنة، واستفادوا أموراً جميلة في عملها وأثرها,. وعلى من صدق مع الله في العمل، وحسن الاستجابة في العمل بشهر رمضان: براحة نفس، واطمئنان قلب، وحسن عمل عن كل أمر تبلّغ به إذ رحم الله من انتهى إلى ما سمع ان يعزم على الثبات بعد هذا الشهر على المنهج الذي تعوّده، وأن يستقيم على حسن الاتباع، على ما وعاه في رمضان، ليكون منصهراً بالعمل الحسن في رمضان وفي غير رمضان، حيث كان يروى عن بعض علماء السلف، من محبتهم لرمضان، وحرصهم على التطبع بالأعمال التي تعودوها في رمضان، أنهم إذا خرج، يدعون الله ستة أشهر أن يكون قد قبل منهم العمل في رمضان، وبعد ذلك، يدعون الله ستة أشهر أخرى بأن يبلغهم رمضان الآخر,. جانّ يخطف فتاة: جاء في كتاب المنتقى من أخبار الأصعمي: أن زياد بن النضر الحارثي قال: كنا على غدير لنا في الجاهلية ومعنا رجل من الحيّ يقال له عمرو بن مالك، معه بنّية له شابّة، على ظهرها ذؤابة، فقال لها أبوها: خذي هذه الصّحفة، ثم إيتي الغدير، فجيئينا بشيء من مائه,, فانطلقت، فوافقها عليه جانّ فاختطفها، فذهب بها، فلّما فقدناها نادى ابوها في الحيّ، فخرجنا على كل صعب وذلول، ووقدنا كل شِعبٍ ونَقب، فلم نجد لها أثراً، ومضت على ذلك السنون، حتى كان زمن عمر بن الخطاب، فإذا هي قد جاءت وقد عفا شعرها وأظفارها، وتغيّرت حالها. وقال لها أبوها: أي بنية، أنى كنت؟ وقام إليها يقبلها ويشمّ ريحها فقالت: يا أبت، أتذكر ليلة الغدير؟ قال: نعم قالت: فإنه وافقني عليه جان، فاختطفني,, فذهب بي، فلم أزل فيهم، حتى إذا كان الآن غزوا,, هو وأهله، قوماً مشركين، أو غزاهم قوم مشركون. فجعل لله تبارك وتعالى نذراً، إن هم ظفروا بعدوّهم، ان يعتقني ويردّني إلى أهلي، فظفروا فحملني فأصبحت عندكم، وقد جعل بيني وبينه أمارة، إن احتجت إليه أن أولول، فإنه يحضرني. فأخذ أبوها من شعرها وأظفارها، وأصلح من شأنها، وزوّجها رجلاً من أهله، فوقع بينها وبينه ذات يوم ما يقع بين المرأة وبعلها,, فعيّرها، وقال: يا مجنونة,, والله إن نشأتِ إلاّ في الجنّ. فصاحت وولولت بأعلى صوتها، فإذا هاتف يهتف: يا معشر بني الحارث، اجتمعوا وكونوا حيّاً كراماً، فاجتمعنا وقلنا: ما أنت يرحمك الله؟,, فإنا نسمع صوتاً ولا نرى شخصاً,, فقال: أنا رابُّ أي كافل فلانة، رعيتها في الجاهلية بحسبي، وصنتها في الإسلام بديني، والله إن نلت منها محرماً قطّ,, واستغاثت في هذا الوقت، فحضرت وسألتها عن أمرها. فزعمت أن زوجها عيّرها، بأن كانت فينا، ووالله لو كنت تقدمت إليه لفقأت عينيه. فقلنا له: يا عبدالله، لك الحِبَا والجزاء,, والمكافأة,, فقال: ذلك إليه يعني الزوج . فقامت إليه عجوز من الحيّ,, فقالت: أسألك عن شيء,,؟, فقال: سلي,, قالت: إن لي بنية أصابتها حصبة وهو مرض يحدث بثوراً يخرج في الجسد فتمزّق رأسها، وقد أخذتها حمى الربع يعني أنها تأخذ يوماً، وتدع يومين، ثم تجيء في اليوم الرابع فهل لها دواء؟, قال: نعم,, اعمدوا إلى ذباب الماء الطويل، القوائم، الذي يكون على أفواه الأنهار، فخذي منه واحدة، فاجعليها في سبعة ألوان عهن اي صوف من أصفرها وأحمرها، وأخضرها وأسودها، وأبيضها وأكحلها وأزرقها، ثم افتلي ذلك الصوف بأطراف أصابعك، ثم اعقديها على عضدك، ففعلت أمّها ذلك، فكأنما نشطت من عقال المنتقى من أخبار الأصعمي ص13 .