منَّ الله علينا في هذه الأرض الطيبة بصيام وقيام شهر رمضان المبارك وودعناه بفرحة عيد الفطر المبارك ونحن ننعم بخير كثير ولله الحمد والشكر، وبعد أيام قليلة نعود إلى أعمالنا بروح وثابة لنواصل السعي في مناكب الأرض ونعمل ابتغاءً لمرضاة الله وطلبا للرزق وتطلعاً لحياة كريمة, وهذه هي سنّة الحياة نعمر فيها الأرض ونبني لمستقبل الأجيال القادمة تماماً كما فعل الأوائل من قبلنا, الجديد في بداية ما بعد العيد في هذه السنة المباركة هو بداية حقبة جديدة للاقتصاد السعودي مع بداية الميزانية الجديدة التي أُعلنت في أواخر شهر رمضان المبارك, الجديد في هذه الميزانية انها مثلت منعطفاً مهمّاً في الاقتصاد السعودي بتجاوز سنوات العجز التي عانى منها الاقتصاد السعودي طوال سبعة عشر عاماً متتالية، فجاءت الميزانية متوازية, وأشار بيان وزارة المالية والاقتصاد الوطني إلى ان الايرادات الفعلية للعام المالي 1420/1421ه قد زادت بمبلغ 45 مليار ريال لتصل إلى 248 مليار ريال، الأمر الذي مكّن الدولة من تسديد جزء من مستحقات الشركات والأفراد وجزء من مستحقات الدين العام, وهذه اشارة ايجابية للاقتصاد السعودي, واذا حافظت اسعار البترول، وكميات الانتاج خلال العام القادم على المستويات التي تسعى منظمة الأوبيك على المحافظة عليها، فإن مؤشرات العام القادم ستكون ايجابية، ويجب أن تكون نظرة التفاؤل دافعاً للقرارات التي تتخذها منظمة الاوبيك للمحافظة على ايرادات الأعضاء وخاصة دول الخليج العربي التي تعتمد كثيراً على ايرادات البترول, ولعلَّ من الصعب التكهن بما يمكن أن تحمله الأيام في المستقبل، إلا أن نظرة التفاؤل قد تسهم في توجيه القرارات الاقتصادية، وليس هذا القول بدعاً في عالم الاقتصاد الذي ترتبط علاقاته بالرؤية الإنسانية عامة والتفاؤلية بشكل خاص، ان ما علينا عمله بعد العيد هو استثمار زخم الميزانية الجديدة ومؤشراتها الايجابية في دفع عجلة الاقتصاد الوطني والاستمرار في تحقيق معدل النمو الايجابي الذي حققه الانتاج المحلي الاجمالي في العام المالي الماضي فوصل إلى 4,11% متجاوزاً بذلك معدل النمو السكاني المقدر بنحو 3,3% ليعكس نمواً حقيقياً في الاقتصاد السعودي وهذا النمو الايجابي يجب أن يخلق في المجتمع عامة وفي فعاليات الاقتصاد الكلي والقطاع الخاص بشكل خاص روح التفاؤل والعمل الدؤوب لاستثمار التوجه الاقتصادي الايجابي وتفعيل الدورة الاقتصادية المتصاعدة, ان ضخ مبلغ 38 مليار ريال سعودي كإنفاق استثماري في الاقتصاد الكلي وزيادة فرص التوظيف والتركيز على البرامج الاجتماعية الانمائية ستسهم بشكل مباشر في اثراء هذا التوجه، وهنا يأتي دور المواطن السعودي في التفاعل مع هذه المؤشرات الايجابية واستثمارها الاستثمار الأفضل والأمثل, ان علينا ان ندرك ان تضافر جهود المجتمع كله هو شرط ضروري للوصول إلى هذا الهدف الكلي، ونحمد الله أننا في مجتمع أنعم الله عليه بنعمة الإسلام، الدين القويم الذي يحض على العمل، والعمل عنصر مهمٌّ من عناصر الانتاج يمكن أن يكون بوتقة تنصهر فيها بقية عناصر الانتاج فينعكس الاداء على الاقتصاد والمجتمع كله, ان علينا بعد العيد ان تشحذ الهمم ونوجه الطاقات الكامنة في كل فعاليات المجتمع لتحقيق هذا الهدف, ان علينا بعد العيد ان نبدأ بداية قوية نسعى من خلالها الى تفجير كل الطاقات الكامنة في المجتمع ونستثمر فرص الانفاق التي جاءت في الميزانية الجديدة ونخلق في أرقامها قوة دفع حقيقية لقطاعات الانتاج, ان المرحلة التنموية التي يعيشها الاقتصاد السعودي وكما عبرت عنها استراتيجية خطة التنمية السابعة تستلزم عملاً جماعياً يذوب في عرقه كل مواطن لنكون صفاً واحداً كالبنيان المرصوص يشد بعضه بعضاً لتحقيق حالة الرفاه الذي ينشده الاقتصاد, والعبرة هنا في تنمية الوعي الاقتصادي بدور الاستثمار في تشكيل قواعد الاقتصاد وهيكله وبناء وعي استثماري يحد من الافراط في الاستهلاك ويدعم التوجه نحو الادخار، وهو وقود الاستثمار ومورده الأساسي, ان علينا بعد العيد ان نخلق مناخاً مواتياً لتفعيل قدراتنا الاقتصادية وادراك الابعاد الوطنية التي يمكن أن تكون دافعاً للاقتصاد ورافداً للاستثمار, الانسان هو هدف التنمية وهو وسيلتها ولا يمكن أن تتحقق أهداف خطط التنمية إلا عندما يدرك كل فرد في المجتمع ان له دورا أساسيا وان المجتمع الصالح والمنتج هو نتاج طبيعي للفرد الصالح المنتج, إن دورة الاقتصادية لا تكتمل بدون دور الانسان الذي يشكل عصب الاقتصاد ومحور نشاطه، ان علينا بعد العيد أن نقف وقفة مسؤولة لاستثمار الجوانب الايجابية في الاقتصاد والتي عكستها ارقام الميزانية الجديدة، وهي ارقام جديرة بالتأمل والادراك، وكما أن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله، فإن في أنفسنا القدرة على أن نوجه هذا الاقتصاد لمستقبل أفضل، فالإنسان هو الذي يبني الاقتصاد, عضو مجلس الشورى