عزيزتي الجزيرة تحية طيبة وكل عام والمسلمون عامة بخير,. ففي الأعياد تكثر الهدايا والعطايا، والمنح والجزايا، وأنا أود أن أهدي قراء الجزيرة الكبيرة هدايا تراثية، فأقول، وعسى أن تلقى القبول: أفتتحها بهدية الهدهدة لسليمان عليه السلام، وهي تصلح اعتذاراً لكل من يقدم هدية قليلة القيمة لكبير رفيع القيمة: جاءت سليمانَ يوم العرض هدهدةٌ أهدت له من جراد كان في فيها وأنشدت بلسان الحال قائلة: ان الهدايا على مقدار مهديها لو كان يهدى إلى الانسان قيمته لكان يهدى لك الدنيا وما فيها * وهذا محبٌّ لايجد لفقره هدية يقدمها إلى محبوبته في العيد، فليس لديه ذهب ولا فضة وما عنده إلا روحه يقدمها، وانظروا إلى اعتذاره عن ضيق ذات يده، (والظاهر انها غنية): أي شيء في العيد أهدي إليكِ يا حياتي وكل شيء لديكِ؟ أسواراً أم دملجاً من نضار لا أحب القيود في معصميكِ (السّوار: الاسورة او الاسوارة تحيط بالرسغ، والدملج: اسورة حول العضد مابين الكتف والمرفق). (هو لا يحب القيود حيث لا يملكها، وهذا من عجزه، وهي هذه القيود أحب شيء لديها). ليس عندي شيء أعز من الروح خذيها فالروح ملك يديكِ ( ولا أدري ماذا تفعل بروحه) وإذا أخذتها وتركته بلا روح,,,؟! * وهذا مهدٍ أهدى كلباً وكتب يمدحه (يمدح الكلب): استوص خيراً به فان له عندي يداً لا أزال أحمدها يدلُّ ضيفي عليّ في غسق الليل إذا النار نام موقدها (دلالة على كرم صاحب الكلب وحبه للضيوف، إذ ينبح الكلب فيسمعه المارة والمسافرون فيقصدون بيت صاحب الكلب). * وقال ابن عبد ربه في هدية أهديت إليه هي عبارة عن (سَلّي عنب): أُهديتُ بيضاً وسوداً في تلوّنها كأنها من بنات الروم والحبشِ (والبيض والسود العنب الأبيض والأسود وبنات الروم بيض وبنات الحبش سود وكلاهما عنب طيب حلو). عذراء تؤكل أحياناً وتشرب أحياناً فتعصم من جوع ومن عطشِ * وقال شاعر وقد أهديت إليه شاة مهزولة: لسعيد شويهةٌ نالها الضر والعَجَف (العجف: الضعف والهزال) فتغنَّت وابصرت رجلاً حاملاً علف: (وأبصرت: الواو واو الحال) بأبي من بكفِّه برء دائي من الدنف (الدنف: التلف من المرض) فأتاها مطمِّعاً وأتته لتعتلف ثم ولّى فأقبلت تتغنى من الأسف: ليته لم يكن وقف عذّب القلب وانصرف * وهذه مقالة عظيمة في هدية يسيرة: أهدت جارية من جواري المأمون تفاحة له، وكتبت إليه: إني يا أمير المؤمنين لما رأيت تنافس الرعية في الهدايا إليك، وتواتر ألطافهم عليك، فكرت في هدية تخف مؤونتها، وتهون كلفتها، ويعظم خطرها، ويجل موقعها، فلم أجد ما يجتمع فيه هذا النعت، ويكمل فيه هذا الوصف إلا التفاح، فأهديت إليك منها واحدة في العدد، كثيرة في التصرف، وأحببت يا أمير المؤمنين أن أعرب لك عن فضلها، واكشف لك عن محاسنها، واشرح لك لطيف معانيها، ومقالة الأطباء فيها، وتفنُّن الشعراء في وصفها، حتى ترمقها بعين الجلالة، وتلحظها بمقلة الصيانة، فقد قال أبوك الرشيد رحمه الله : أحسن الفاكهة التفاح اجتمع فيه الصفرة الدريّة، والحمرة القانيّة، والشقرة الذهبية، وبياض الفضة، ولون التبر، (التبر: فتات الذهب او الفضة قبل ان يصاغا والمقصود هنا الذهب) يلذ بها من الحواس: العين ببهجتها، والأنف بريحها، والفم بطعمها، وقال أرسطو طاليس الفيلسوف اليوناني عند حضور الوفاة، واجتمع إليه تلاميذه: التمسوا لي تفاحة اعتصم بريحها، وأقضي وطري من النظر إليها,وقيل في التفاح: ماعُلِّل المريض المبتلى، ولا سَكَنت حرارة الثكلى، ولا رُدَّت شهوة الحُبلى، ولا جُمعت فكرة الحيران، ولا سُلَّ (غيظ) الغضبان بمثل التفاح، والتفاحة يا أمير المؤمنين ان حملتها لم تؤذك (لاشوك فيها مثل الصبر التين الشوكي مثلاً ) وان رُميتَ بها لم تؤذك (ولا أعرف من سيرمي أمير المؤمنين بتفاحة الا أن يكون طفلا من ابنائه)، وقد اجتمع فيها ألوان قوس قزح من الخضرة والحمرة والصفرة. وقال فيها الشاعر: حمرة التفاح مع خضرته أقرب الأشياء من قوس قزح فعلى التفاح فاشرب قهوة واسقنيها بنشاط وفرح (ولابأس مع التفاح بالقهوة والشاي) فإذا وصلت إليك يا أمير المؤمنين فتناولها بيمينك، واصرف إليها يقينك، وتأمل حسنها بطرفك، ولاتخدشها بظفرك، ولاتبعدها عن عينك، ولاتبذلها لخدمك، فإذا طال لبثها عندك، ومقامها بين يديك، وخفت ان يرميها الدهر بسهمه، ويقصدها بصرفه (صرف الزمان تقلبه) وهذا خشية ان تتلف التفاحة حيث لم يكن لدى أمير المؤمنين المأمون ولو ثلاجة 6 قدم! فيذهب بهجتها، ويحيل نضرتها، فكلها: (هنيئاً مريئاً غير داء مخامرٍ) فقال المأمون: احملوا إليها من كل ما أُهديَ إلينا هذا اليوم,, (يا بختها). * على أني أهدى لي أحد الزملاء واسمه أمين تفاحة فقلت فيها: اهدى إليّ أمين تفاحة ما أُحَيلَى كانت تقطَّرُ شهداً وسكراً و عُسيلا أهدى إليّ أمين تفاحة يا سلامُ لو قدمت لعليل لزال منه السقامُ الجسم منها مكور كالنهد ينهض في الصدر والخد يازينَ أحمر والطعم: الله أكبر تفاحة من أمين تفيض بالإغراء ولو قدرتُ لكانت في الصبح والإمساءِ * ولا أنسى اعتذار المتنبي عن ضيق ذات يده بالبيت الآتي الذي ذهب مثلاً يعتذر به القادرون وغير القادرين: لا خيل عندك تهديها ولا مالُ فليسعد النطق ان لم يسعف الحالُ قلت: وفي الحديث الشريف: الكلمة الطيبة صدقة . * وانني انهي هذه الكلمات بالتوصية بتقديم الهدايا حتى للأغنياء فقد قالت احداهن: أنا غنية وأحب الهدية وفي الحديث الشريف: تهادوا تحابوا ,وكل عيد وأنتم بخير شاكراً للجزيرة الهديّة وعزيزتي الجزيرة البهية والقراء الكرام والسلام ختام. نزار رفيق بشير