ان تتقلد عاصمتنا زعامة الثقافة العربية هذا العام امر مبهج نعتز به,, ولكنه امر خطير ينبغي ان نتصدى له بجدية تلائم هذه المناسبة المهمة. وهذا يقتضي منا ان لا نجعل من هذه المناسبة مناسبة عابرة، تمثلها احتفالات اعلامية سريعة، تمر كسحابة الصيف التي ما تلبث ان تنقشع بلا مردود,, وبمعنى آخر,, لا نريد تكريرا لأنماط اسبوع الشجرة و اسبوع النظافة و اسبوع المرور التي تنظم من خلال حملات مكثفة سريعة ثم تهدأ وتفتر بعد انتهاء الايام المعدودة. لست ضد الاحتفالات الاعلامية بشكل مطلق,, ولكني لا اريدها ان تكون طاغية على المناسبة,, فهذه مناسبة مختلفة يتطلع اليها العرب، ويجب ان تكون احتفالاتها بالعمق والعطاء الذي ينتظرونه منا. ولعل من خير ما يمكن ان تقوم به بلادنا في هذا المجال شيئين: 1 تنظيم فعاليات ثقافية متميزة على المستوى العربي تستضيفها الرياض. 2 تقديم انجازات كبيرة من خلال مشاريع ثقافية كبرى، تطلق في هذه المناسبة. والى جانب ذلك فنحن نريد ان تكون هذه المناسبة فرصة جادة لمراجعة كل ما يتعلق بالثقافة في بلادنا من مؤسسات، وهياكل، ومعطيات. ان بلادنا لا تنقصها المؤسسات الثقافية، او المنشآت، ولكن الذي ينقصنا هو وضع استراتيجية للثقافة تتميز بوضوح الاهداف ، وطريقة التنفيذ. كما ينقصنا التنسيق بين الجهات التي تتناول الشأن الثقافي وذلك لا يكون الا بوجود جهة واحدة كبرى تتحمل مسؤولية الثقافة التي تتوزعها الان عدة جهات. هذه المناسبة فرصة ايضا لبعث الحيوية في بعض هياكلنا الثقافية المجمدة، مثل المجلس الاعلى للعلوم والفنون والآداب وغيره,, كما ان من مؤسساتنا الثقافية الفاعلة ما يحتاج الى تطوير او اعادة نظر، كالجمعية العربية للثقافة والفنون، والنوادي الادبية، وغيرها,, هذا على المستوى الرسمي. اما علاقة القطاع الخاص بالثقافة فهذه ايضا تحتاج الى دراسة، وتحديد وتشجيع, فلدينا عدد كبير من دور النشر الخاصة تفوق كثيرا ماهو موجود في بلدان عربية اخرى ذات انشطة ثقافية متميزة، ولكن اصداراتنا في معظمها لا تتعدى حدود المملكة بل ان توزيع الكتاب السعودي داخل المملكة يلاقي صعوبات كبيرة. ومن المعروف ان بلادنا اكثر البلاد العربية اهتماما بالتراث الاسلامي ونشر كتبه، لكن ما يطبع من هذا التراث لا يكاد يصل الى القراء خارج المملكة، بل احيانا لا يتعدى المدن التي طبع فيها, وهذا يسبب الازدواج الذي يتمثل في تحقيق بعض الكتب من قبل محققين آخرين في البلدان الاخرى. ولو كانت كتبنا تصل الى ايدي القراء المهتمين خارج المملكة لما حدث ذلك. وأخيرا نتطلع في هذه المناسبة العزيزة الى قرارات مهمة، تسهم في دفع الثقافة في بلادنا الى الامام، وتيسر المادة الثقافية لعامة القراء، سواء كانت كتابا او غيره، على ان لا يقتصر ذلك على الكتاب الادبي، بل نحن بحاجة ماسة الى الكتاب العلمي الميسر والى نشر الوعي العلمي بين الشباب بكافة الوسائل، والى مشروع يتنبى ترجمة الجديد من نتاج الفكر العالمي. كما اننا بحاجة الى دعم الكتاب السعودي واخراج الطبعات الشعبية ذات الاسعار المناسبة، وحفز الشباب على القراءة، وتشجيع المؤلف السعودي، والعناية الجادة بأدب الطفل. وخلاصة القول: ان استثمار هذه المناسبة فيما يفيد مسيرتنا الثقافية سيكون له نتائج جيدة تسهم في رفع شأن المملكة بين شقيقاتها في المجال الثقافي العربي وتبرز دورها المشرف فيه, والله الموفق.