فقد ثبت في الصحيحين عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أجود الناس، وكان أجود ما يكون في رمضان حين يلقاه جبريل، فيدارسه القرآن، وكان جبريل بلقاه كل ليلة من شهر رمضان فيدارسه القرآن، فلرسول الله صلى الله عليه وسلم حين يلقاه جبريل: أجود بالخير من الريح المرسلة). ورواه أحمد وزاد: (ولا يسأل شيئا إلاّ أعطاه). وللبيهقي عن عائشة رضي الله عنها : (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا دخل رمضان أطلق كل أسير، وأعطى كل سائل). والجود هو: سعة العطاء وكثرته، والله تعالى يوصف بالجود، فروى الترمذي عن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم : إن الله جواد يحب الجود، كريم يحب الكرم . وعن الفضيل: (إن الله تعالى يقول كل ليلة: أنا الجواد ومني الجود، وأنا الكريم ومني الكرم). فالله سبحانه أجود الأجودين، وجوده يتضاعف في أوقات خاصة كشهر رمضان، وفيه أنزل قوله تعالى: وإذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداع إذا دعان، فليستجيبوا لي وليؤمنوا بي لعلهم يرشدون . ولما كان الله تعالى جبل نبيه صلى الله عليه وسلم على أكمل الهيئات وأشرفها، كما في حديث أبي هريرية رضي الله عنه:إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أجود الناس على الإطلاق، كما انه أفضلهم، وأشجعهم، وأكملهم في جميع الأوصاف الحميدة، وكان جوده يجمع أنواع الجود، وكان جوده صلى الله عليه وسلم يتضاعف في رمضان على غيره من الشهور، كما أن جود ربه يتضاعف فيه أيضا. وكان صلى الله عليه وسلم يلتقي هو وجبريل في شهر رمضان، وهو أفضل الملائكة وأكرمهم، ويدارسه القرآن الذي جاء به إليه، وهو أشرف الكتب وأفضلها، وهو يحث على الإحسان ومكارم الأخلاق، وقد كان هذا الكتاب الكريم له صلى الله عليه وسلم خلقا، بحيث يرضى لرضاه، ويسخط لسخطه، ويسارع إلى ما حث عليه، ويمتنع عما زجر عنه، فلهذا كان يتضاعف جوده وافضاله في هذا الشهر، لقرب عهده بمخالطة جبريل، وكثرة مدارسته له هذا الكتاب الكريم، الذي يحث على المكارم والجود، ولا شك أن المخالطة تؤثر وتورث أخلاقا من المخالط. وفي تضاعف جوده صلى الله عليه وسلم في رمضان بخصوصه فوائد كثيرة: منها: شرف الزمان، ومضاعفة أجر العمل فيه، وفي الترمذي عن أنس مرفوعاً: أفضل الصدقة صدقة رمضان . ومنها: إعانة الصائمين والذاكرين على طاعتهم، فيستوجب المعين لهم مثل أجورهم، كما أن من جهز غازياً فقد غزا، ومن خلفه في أهله بخير فقد غزا. وفي حديث زيد بن خالد عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: من فطر صائما فله مثل أجره، من غير أن ينقص من أجر الصائم شيء رواه أحمد والترمذي، ورواه الطبراني عن عائشة رضي الله عنها، وزاد: وما عمل الصائم من أعمال البر إلا كان لصاحب الطعام، ما دامت قوة الطعام فيه . ومنها: أن شهر رمضان يجود الله فيه على عباده بالرحمة والمغفرة والعتق من النار، لا سيما في ليلة القدر، والله تعالى يرحم من عباده الرحماء، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: إنما يرحم الله من عباده الرحماء فمن جاد على عباد الله، جاد الله عليه بالعطاء والفضل، والجزاء من جنس العمل. ومنها: أن الجمع بين الصيام والصدقة من موجبات الجنة، كما في حديث علي رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إنّ في الجنة غرفا يرى ظهورها من بطونها، وبطونها من ظهورها قالوا: لمن هي يا رسول الله؟ قال: لمن طيب الكلام، وأطعم الطعام، وأدام الصيام، وصلى بالليل والناس نيام . وهذه الخصال كلها تكون في رمضان فيجتمع فيه للمؤمن الصيام والقيام والصدقة، وطيب الكلام، فإنه ينهى فيه الصائم عن اللغو والرفث، يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: من لم يدع قول الزور والعمل به فليس لله حاجة في أن يدع شرابه وطعامه ويقول أيضا: وإذا كان يوم صوم أحدكم فلا يرفث، ولا يصخب، فإن سابه أحد أو قاتله، فليقل: إني امرؤ صائم . والصلاة والصيام والصدقة: توصل صاحبها إلى الله عز وجل، قال بعض السلف: الصلاة توصل صاحبها إلى نصف الطريق، والصيام يوصله إلى باب الملك، والصدقة تأخذ بيده، فتدخله على الملك. وفي صحيح مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: من أصبح منكم اليوم صائما؟ قال أبو بكر: أنا. قال: من تبع منكم اليوم جنازة؟ قال أبو بكر: أنا. قال: من تصدق بصدقة؟ قال أبو بكر: أنا. قال : من عاد منكم مريضا؟ قال أبو بكر: أنا.