- الحسد مرض نفساني ابتلي به كثير من الناس، ولن يبلغ المرء مرتبة من مراتب الدنيا إلا وجد فيها من يبغضه عليها أو يحسده فيها، والحاسد هو الذي قامت به صفة الحسد وهو الذي يحب أن تُسلب النعم من غيره، ولا يحب الخير لأحد ويتمنى ألا يبقى على وجه الأرض منعم عليه، وإنما ينشأ الحسد من العُجب بالنفس وحب الذات والكبر واحتقار غيره، فهو شر تلازمه شرور. - وقد جمع إبليس هذه الشرور كلها، حيث حسد آدم عجباً بنفسه، فقال كما أخبر الله عنه: { أَنَا خَيْرٌ مِّنْهُ}، ورآه لا يستحق السجود احتقاراً له، فقال كما أخبر الله عنه: {أَرَأَيْتَكَ هَذَا الَّذِي كَرَّمْتَ عَلَيَّ } ثم تكبر ولم يسجد ورضي باللعنة والخزي، ولا أشنع من صفه يكون إبليس فيها إماما. - والحسد شر على صاحبه قبل غيره، لأنه يأكل قلبه، ويورق جفنه، ويقضُّ مضجعه، والحاسد لا يضر غيره إلا إذا أظهر ما في نفسه من الحسد، وعمل بمقتضاه قولاً أو فعلاً، فيحمله ذلك على إيقاع الشر بالمحسود، فيسعى في نشر مساوئه، ويتتبع عثراته ولهذا قال الله تعالى: { إِذَا حَسَدَ}. - والحاسد لا يحب أن يرتفع عليه أحد، فإذا رأى صديقه قد علا عليه تأثر هو، وتمنى لو لم ينل صديقه ما ينال، وأكثر ما يقع الحسد بين الأقران أو من تقاربت أعمالهم، وأعظم ما يُنمي الحسد ويغذيه امتداد العين إلى ما متع الله به عباده من متاع المال والبنين، ونعمة العافية والعلم والجاه، وقد نهى الله تعالى نبيه محمد صلى الله عليه وسلم عن مد العين إلى ما عند الغير فقال: {وَلَا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِّنْهُمْ زَهْرَةَ الْحَيَاةِ الدُّنيَا لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ وَرِزْقُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَأَبْقَى} لأن المنشغلين بمتع الدنيا واللاهين فيها والمغترين بها تبتهج بها نفوسهم وتأخذ إعجاباً بأبصار المعرضين ثم تذهب سريعاً وتمضي جميعاً وإنما جعلها الله فتنة واختباراً لهم. - وعلاج الحسد أن يَرضى الإنسان بما عنده من نعمة وأن يحب الخير لإخوانه وأن يرضى بالقضاء، ويتعاهد إصلاح قلبه من الإثم الباطن وتطهيره من كل الأدران وألا تمتد عينه إلى ما عند غيره من متع الدنيا وأن يتصف بالقناعة بما في يده. والله ولي التوفيق. - وكيل جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية