لم تكد الجمعية العامة للأمم المتحدة أن تعلن مساء التاسع والعشرين من نوفمبر 2012م قرارها التاريخي بقبول دولة فلسطين عضواً مراقباً في الأممالمتحدة، حتى سارعت العصابة الحاكمة في إسرائيل (نتينياهو - ليبرمان) إلى الإعلان عن اعتماد بناء ثلاثة آلاف وحدة سكنية في القدسالشرقية، والتي أقرت الجمعية العامة أنها أرض محتلة شأنها شأن بقية الأراضي المحتلة عام 1967م وأنها عاصمة الدولة الفلسطينية، وذلك تعبيراً من إسرائيل عن رفضها لقرار الجمعية العامة، وإنكاراً منها لحق الشعب الفلسطيني في ممارسة حقه في تقرير المصير وإقامة دولته المستقلة وعاصمتها القدسالشرقية، وبالتالي تنكرها للقانون الدولي وللشرعية الدولية التي لا تجيز بأي شكل من الأشكال، سياسات الاستيطان التي تنتهجها حكومات إسرائيل المتعاقبة في الأراضي الفلسطينيةالمحتلة، تحت أي دعاوي كانت. إن الاستيطان الإسرائيلي، عقيدة صهيونية، تقف عقبة في طريق السلام، وفي طريق تحقيق الاستقلال الفلسطيني المنشود، لقد نظر قادة الحركة الصهيونية وفي مقدمتهم رؤساء حكومات إسرائيل من اليسار واليمين على السواء، أن الاستيطان الإسرائيلي يعد تعبيراً عن الحيوية الدائمة للصهيونية ورؤياها الخلقية، وأن الأمن والسيادة والاستيطان أمور مترابطة لا انفصام لها، وبهذا التفكير الإسرائيلي، فإن الأمن الذي يوفره الاستيطان، هو في جوهره مفهوم وجودي، أكثر مما هو ضرورة أمنية، وقد عبر وزير الحرب الإسرائيلي موشي ديان في سبعينات القرن الماضي عن ذلك بقوله: (إن المستعمرات الإسرائيلية في الأراضي المحتلة حيوية، ليس لأنها تستطيع توفير الأمن أفضل من الجيش، بل لأنه من دونها لا يمكننا الاحتفاظ بالجيش في هذه المناطق، فمن دونها تصبح القوات الإسرائيلية جيشاً أجنبياً يحكم شعباً أجنبياً)!. لذلك مارس الاحتلال الإسرائيلي على اختلاف حكوماته المتعاقبة، سياسة استيطانية متصاعدة في الأراضي الفلسطينيةالمحتلة، وتصاعدت بوتيرة أكبر بعد اتفاق أوسلو، ليتجاوز عدد المستوطنين اليوم أكثر من نصف مليون، نصفهم في القدس ومحيطها والنصف الآخر في باقي أنحاء الضفة الغربية، وذلك بهدف خلق أمر واقع يحول دون تقسيم القدس من جهة، وإعادتها إلى ما كانت عليه قبل الاحتلال في 5 حزيران 1967م ودون إمكانية أن تكون عاصمة للدولة الفلسطينية المستقلة، يضاف إلى هذه السياسة الاستيطانية العدوانية، بناء جدار الفصل العنصري على أراض فلسطينية محتلة متمماً لهذه السياسة الخرقاء من جانب الاحتلال، ليصنع أوضاعاً جغرافية تزيد الوضع تعقيداً، أمام الاستقلال الفلسطيني المنشود والذي تؤكد عليه قرارات الشرعية الدولية وحكم محكمة العدل الدولية الخاص بالجدار عام 2005م، والذي اعتبره عملاً غير مشروع على الأراضي الفلسطينيةالمحتلة. إن الموقف الدولي الرافض للاستيطان وللجدار والذي عبرت عنه قرارات الأممالمتحدة جمعية عامة، ومجلس أمن، ومؤخراً المواقف الدولية التي جرى التعبير عنها بالأمس إزاء قرار عصابة -نتنياهو ليبرمان- ببناء ثلاثة آلاف وحدة سكنية جديدة في القدس، تؤكد على مدى صلابة الموقف الدولي والمستند إلى الشرعية الدولية في رفض سياسة الاستيطان، التي تجعل من إقامة السلام حلماً مفقوداً، ولابد للمجتمع الدولي من اتخاذ إجراءات رادعة لوقف هذه السياسات الحمقاء، التي لن تأتي إلا بمزيد من المعاناة ووضع العقبات كأداة أمام تقدم عملية السلام بين الجانبين، وتهديد الأمن والسلم في المنطقة والعالم. إن الشعب الفلسطيني المتمسك بكامل حقوقه المشروعة في استعادة أرضه، وقيادته التي أوقفت المفاوضات العبثية بسبب سياسات الاستيطان المنتهجة من حكومة نتنياهو وغيره، لا يمكن لهم القبول ببقاء أي مستوطنة فوق الأرض الفلسطينية، ولن يقع الفلسطينيون في الخديعة الإسرائيلية التي حاول شارون التسويق لها سابقاً، للتمييز بين المستوطنات العشوائية وغير العشوائية، فجميع أشكال وأصناف المستوطنات عمل عدائي غير مشروع، يجب أن ينتهي وأن يزول مع زوال الاحتلال، ولا يمكن للفلسطينيين أن ينظروا إلى هذا الجانب في صراعهم مع المحتل إلا نظرة شمولية تعتمد مبدأ إخلاء المستوطنات كافة، لأن الاستقلال الفلسطيني لا يمكن تأمينه وتحقيقه دون إخلاء المستوطنات الإسرائيلية الكبرى قبل الصغرى والمنتظمة قبل العشوائية في إطار عملية السلام المنشودة، حتى يصبح أمل الاستقلال الوطني الفلسطيني ناجزاً في دولة مستقلة على الأراضي الفلسطينية التي احتلت بعد الرابع من حزيران 1967م وعاصمتها القدسالشرقية، قد بات المجتمع الدولي، وقواه الحية معني بإنهاء هذا الاحتلال الإسرائيلي، وإزالة كافة آثاره العدوانية عن الشعب الفلسطيني وأرضه من استيطان وغيره، وبالتالي فإن مشروع الوهم الصهيوني القائم على استمرار الاستيطان في القدس وفي بقية الأراضي الفلسطينية لن يجد من الأسرة الدولية بعد اليوم من يدافع عنه، كما لن يجد من أي طرف فلسطيني، القبول به بأي شكل من الأشكال، وسوف تستمر المقاومة الفلسطينية بكل أشكالها السياسية والدبلوماسية والشعبية وغيرها للاحتلال حتى هزيمة مشروع الوهم الصهيوني القائم على الاستيطان للأراضي الفلسطينية وإلحاق الهزيمة به وإزالته إلى الأبد، ولن يختلف مصير الاستيطان في القدس وفي أنحاء الضفة الفلسطينية والجولان السوري، عما آل إليه الاستيطان في سيناء المصرية وقطاع غزةالفلسطيني، ولتتحد إرادة المجتمع الدولي لمواجهة هذا الصلف الصهيوني وردعه. E-mail:[email protected] عضو المجلس الوطني الفلسطيني - الرياض