كثيرة هي المؤتمرات العربيَّة على اختلاف مستوياتها وتوجهاتها وأهدافها في الثَّقافة والصحة والبيئة والطب والعلوم والتَّربية والتَّعليم ومكافحة الفقر، وغير ذلك مما يخطر أو لا يخطر على بال المواطن العربي، ثمَّ ينفض السامر وتنتهي -طبعًا- تلك المؤتمرات بقرارات أو توصيات تفتح نوافذ الأمل في الغد الأفضل لهذه الأمة التي تلاقي على أيدي بعض أبنائها، وغالبًا ما تستند تلك القرارات أو التوصيات على استقراء موضوعي للواقع، وطموح يَتَّسم بالوعي لما يجب أن يكون عليه المستقبل، بعد أن تجنَّد لهذه المهمة لجان الخبراء والمختصين وأصحاب التجربة العريضة، والخبرات المتراكمة عبر عقود من الزمن، مما يضفي على تلك القرارات والتوصيات طابعًا يغري، بالتَّفاؤُل لما تستند عليه من مبررات في منتهى المنطلق والعقلانية والواقعية والشفافية وكل ما يمكن تصوّره بهذا المعنى. لكن ما هي النتيجة لِكُلِّ ذلك؟ هذه المؤتمرات في مظهرها وجوهرها ذات ضرورة قصوى لانتشال الواقع العربي من أزماته وعثراته السياسيَّة والأمنيَّة والثقافيَّة والعلميَّة، سواء كانت على مستوى الوزارة أو الخبراء أو المختصين، وهي إن اختلفت في مستوى الإعداد والإجراءات والحشد البشري المهيأ لإنجاحها، والجهود الأمنيَّة لضمان سلامة المشاركين فيها، وما يصاحب ذلك كلّّه من ميزانيات ماليَّة ضخمة، كل هذه المؤتمرات، هل تؤتي أكلها بالشكل الذي يحقِّق أهدافها. هذا هو السُّؤال الذي كثيرًا ما طرأ على خاطري كُلَّما سمعت عن واحد من هذه المؤتمرات، ومع أني لست من المتشائمين الذين لا يرون إلا الشوك في الورود، فإنني وكمواطن عربي لم أجد ما يترجم تلك العناوين العريضة التي تحملها قرارات أو توصيات تلك المؤتمرات، وما يصاحبها من تحليلات تلك المؤتمرات، تستغرق أنهارًا من الكلمات التي تملأ أعمدة الصُّحف والمواقع الإلكترونية، ويمضي الوقت لنكشف في غالب الأمر أن معظم تلك القرارات والتوصيات ظلَّت حبرًا على ورق، ولم يُنفّذ منها -إن نفذ- إلا القليل الذي لا يحقِّق الحدّ الأدنى من طموحات المواطن العربي، وما يؤكد ذلك هذا الواقع العربي الذي يسوء حالة أكثر رغم كثرة مؤتمراته من الخليج إلى المحيط، أو من البحر إلى البحر، كما يُعبِّر السياسيون. إنقاذ الواقع العربي لا يحتاج إلى كل هذه المؤتمرات، ولكنَّه يحتاج إلى قرارات قياديّة حاسمة، تصدر من زعماء هذه الأمة، وتنفذ بصرامة شديدة لا تقبل التسويف أو المماطلة، أو غير ذلك من الوسائل التي يرتكبها المنفذون وتُؤدِّي إلى تعطيل مسارات التنمية في الوطن العربي. مؤتمراتنا العربيَّة تكرِّس كل السلبيات التي تعقد من أجل القضاء عليها، حتَّى وإن كانت قراراتها وتوصياتها مبشرة وواعدة، فهي في النهاية لا تنفذ. [email protected] تويتر alshagar1979@