كلما حلَّ العيد جدّد حلوله كثيراً من الذكريات الجميلة التي عمرت بها أيام الصبا والشباب، تلك الأيام التي كان للعيد فيها طعم ومذاق غير ما نطعمه اليوم، فالفرق شاسع بين عيد الأمس وفرحة عيد اليوم.. ولكم أبدع الشعراء في ذكر العيد ولعل أبا الطيب المتنبي أحرق أوراق المتفائلين بالمناسبات الطيّبة بقوله: عيد بأية حال عدت يا عيد بما مضى أم لأمر فيك تجديد وأصبحت قصيدته يرددها الكثيرون في كل مناسبة وبخاصة المتشائمون.. إن العيد وقت تجديد وفرحة واستذكار وفي بلادنا له نكهة عذبة ومذاق خاص وبشر وابتهاج في التهاني والزيارات والأكلات الشهية والرحلات، فالعيد كلمة حلوة الجرس يخف نطقها على اللسان ويحسن وقعها في الأذن. فهي كلمة جميلة تنشرح لها النفوس وتهش لها القلوب لأنها تحمل معاني جميلة منها السعادة والمسرّة والهناء والفرحة، وكلمة العيد وردت في القرآن الكريم حيث قال تعالى: {اللَّهُمَّ رَبَّنَا أَنزِلْ عَلَيْنَا مَآئِدَةً مِّنَ السَّمَاءِ تَكُونُ لَنَا عِيداً لِّأَوَّلِنَا وَآخِرِنَا وَآيَةً مِّنكَ}، وهذه دعوة المسيح عليه السلام.. والعيد سُمي به لأنه يعود كل سنة فيُفرح به، وقال يزيد بن الحكم: أمسى بأسماء هذا القلب معمودا إذا أقول صحا يعتاده عيدا وقال تأبط شرا: يا عيد مالك من شوق وإيراق ومر طيف على الأهواء طراق ويروى عن العجاج قوله يصف ثوراً وحشياً واعتاد أرباضاً لها أرى كما يعود العيد نصراني ويقول الحجي: يا عيد وافيت والأشجان مرخية سدولها ونعيم الروح مفقود ويقول الزميل الأستاذ الدكتور محمد بن سعد بن حسين من قصيدة له طويلة: ماذا عن الأمس حدث أيها العيد حدث فصمتك يخشاه المعاميد يا عيد كم من أحاديث مزخرفة طويتها وهي في سمعي زغاريد يا عيد قد أرهقتني الذكريات فهل لديك ما ينفض الإرهاق يا عيد وما أكثر ما قيل في العيد وما حفلت به مرآة الشعر قديماً وحديثاً.. حقاً أن العيد فرحة، بل أجمل فرحة وهو مناسبة اجتماعية للمودة والمحبة والتراحم والتعاطف وتأكيد مبدأ التكافل الإسلامي. إن العيد مظهر وعنوان لتماسك الأمة ووحدتها وقوتها، وللعيد في الإسلام معان ودلالات تتجاوز المظاهر الشكلية فهو تجسيد حي وتعبير صادق عن حالة الأمة وآمالها وطموحاتها وتطلعاتها، فلنستخلص منه العبر والأهداف والعظات وما حفل به من تاريخ وأمجاد واستعادة تلك الذكريات التاريخية وما فيها من مواطن العزة والمنعة والقوة. إن العيد تجديد للحياة وامتحان للنفس واختبار للأمة وما حققته من إنجازات وليظل الأمل متجدداً، أن للعيد معانيه وجمالياته ودلالاته الإنسانية والمعنوية والحسية مع العناية بمساعدة ذوي الحاجات وصلة الأرحام وبر الوالدين والتواصل والتواضع واحترام الآخر والحرص على حقوقه وحسن العلاقات مع الأمة والبعد عن الكبر وانتزاع سخائم النفس وعوامل البشر والجفوة. أسأل الله أن يعيده على بلادنا وأمتنا بالخير والازدهار والقوة والرخاء والرفعة والسؤدد والمجد والتعاون والتضامن والمسرات.. كما يسرني أن أهدي هذه الأبيات بهذه المناسبة السعيدة وأن تعود هذه الذكرى المجيدة حافلة بالخير والبركات ومفعمة بالازدهار ومتجددة بالسعادة.. وكل عيد والجميع بخير عضو جمعية التاريخ بجامعات دول مجلس التعاون باحث في أدب الرحلات