تحدث الأستاذ إبراهيم بن عبدالرحمن بن خميس - رحمه الله - في كتابه «أسود آل سعود» عن الأمير محمد بن عبدالرحمن بن فيصل آل سعود بقوله: بعد أن نشأت في ظروف قاسية، وطفولة تحملت فيها أعباء ينوء بحملها الكبار، أكرمني الله بالتحاقي بالأمير محمد - رحمه الله - لأجد منه العطف الأبوي الذي حُرمت منه منذ وفاة والدي، ولأجد منه المرشد والمعلم، ولأجد فيه الرائد النبيل الكريم الذي فتح لي أبواباً وسبلاً إلى حياة عملية طويلة، صادفت فيها - والله - كل خير وتوفيق. لقد احتضنني كواحد من أولاده، وعوضني عن فقدان أبي بحنانه وعطفه، وكفاني جميع متطلبات حياتي قبل زواجي جميعها دون استثناء؛ ما رفع مستواي في المجتمع بين جيلي وبين زملائي، ولقد وهبني سكناً خاصاً ملَّكه لي، وتحمل جميع نفقات زواجي، وأهداني ما لا يُعدّ من الخيل والسيارات، وساعدني وظل يساعدني مادياً ومعنوياً ويساندني في شتى المجالات حتى نجحت في كل أعمالي، وحتى ارتفع مستوى حياتي إلى أفضل حد بحمد الله. كان الأمير محمد - رحمه الله - إلى جانب الخلق النبيل والكرم اللذين كانا في صفاته يمتاز بالبسالة والإقدام، ويتحلى بالصبر على المشاق والإقبال على المخاطر والتضحيات، عرفها القاصي والداني، واعترف بها الصديق وغير الصديق، بل سجلها التاريخ فيما سجل على صفحاته المشرفة، وتجلت في جولات المعارك التي خاضها تحت قيادة شقيقه الملك الراحل عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود - رحمه الله -. لقد كان واضح الذكاء منذ صغره، يفكر في هدوء وعمق قبل أن يبدي رأيه، أو يقوم بأي عمل. وعندما التجأ والدهم عبدالرحمن آل سعود - رحمه الله - إلى الشيخ محمد بن صباح حاكم الكويت، حيث عاشوا فترة من الزمن، وبدأ نجم عبدالعزيز ونجم محمد يلمعان في الكويت، وكان أهل نجد يتطلعون إلى الكويت واثقين بأن تخليصهم من حكم آل رشيد لا بد أن يتم بإذن الله، وينتظرون ما سيقوم به الشبلان عبدالعزيز ومحمد متأكدين أنه مهما طال الزمن فلا بد أن تعود الأمور إلى نصابها، ولا بد أن يعود أبناء عبدالرحمن إلى نجد منتصرين. وكانت أنباء الشقيقين والأحاديث التي يتبادلها أبناء نجد عنهما تصل إلى عبدالعزيز ابن رشيد فتشغله وتقلقه حتى أراد أن يتأكد بنفسه من مدى إصرارهما أو أحدهما على استعادة حق أسرتهما الذي اغتصبه، فكلف مستشاره الخاص موسى بن مجراد، وكان معروفاً ببُعد النظر وخبيراً في تقدير وتحليل شخصيات الرجال، كلفه بالتوجه إلى الكويت بحجة ظاهرية، هي التفاهم مع الشيخ مبارك آل صباح على أمور تهم الطرفين، وكان هدفه الحقيقي أن يختلط ابن مجراد بعبدالرحمن وابنَيْه عبدالعزيز ومحمد ليعود بالرأي عن شخصيتهما وآرائهما وحقيقة ما يعتزمانه، وتم لابن رشيد ما أراد، وعاد اليه ابن مجراد بالنتيجة: كلاهما يتمتع بالاحترام، وينال التقدير، عبدالعزيز أخواله السدارى، ومحمد أخواله آل جلوي، وهدف الاثنين واحد، هو العودة العاجلة الظافرة إلى نجد وإلى الرياض مهما كانت الظروف والعقبات، وأن كليهما لا يقل تصميماً ولا حماساً عن أخيه، وإن كان عبدالعزيز أشد تلهفاً إلى بدء الجهاد في سبيل العودة، وفي تقديره - ابن مجراد - أنه ستكون القيادة لعبدالعزيز، وسيكون محمد مساعده وسنده، وأنهما يشكلان خطراً حقيقياً لا بد أن يواجهه ابن رشيد عن قريب. مرت الأيام، وتحققت توقعات وآراء ابن مجراد. كان محمد طيب القلب، دمث الأخلاق، غني النفس، شديد الثقة بالله وبقدرته، متمسكاً بتقاليد العروبة الحقة في العزة والكرامة، لم يكن الحقد ليجد إلى قلبه أو نفسه سبيلاً، فكما كان سريع الغضب كان سريع الرضا سمحاً متسامحاً صافحاً عمن يسيء إليه، كان صادقاً صريحاً، يحب الصدق ويحث عليه، ولا يكذِّب أحداً في قول إلا بعد أن تتأكد له الحقيقة المؤكدة، فيواجهه بهدوء ولطف، وكأنه يعاتبه وينصحه دون أن يحاول إحراجه أمام الغير، ولم يكن ليعد إلا ليفي بوعده مهما كلفه ذلك. وكان قنوعاً، لا يفكر في ثروة يكدسها، وكان كريماً، يكرم وينعم بالخيل والإبل والسلاح والكساء والغذاء إن لم يكفِ ما لديه من مال نقدي لقضاء حاجة السائل، مضيافاً لا تنطفئ له نار، ولا تجف مذبحة الأغنام في بيته، ويشهد الله أنه كان كذلك طوال حياته، لا يرد سائلاً أو محتاجاً، ولا حاجب يحجب عنه القاصد والمحتاج، كان يعطي الناس من وقته فصلين من كل يوم، يجلس عند مدخل قصره أول النهار حتى وقت صلاة الظهر، ثم يعود للجلوس مرة أخرى بعد صلاة العصر إلى وقت صلاة المغرب، ومجلسه لمن شاء وللجميع دون استثناء. كان محمد شديد الحرص على أداء الفرائض والعبادات، يقيم الصلاة في أوقاتها، ويتهجد آخر الليل حتى الفجر. أما في حياته الخاصة فلقد كان حريصاً أشد الحرص على المساواة بين أفراد أسرته، لا يميز أحداً على الآخر، لا في السر ولا في العلن. هواياته كانت مركزة على اقتناء وتربية الخيل العربية الأصيلة، وثلاث مجموعات من الإبل، واحدة منها المغاتير والثانية المجاهيم والثالثة الحمر المعدة للركوب في الرحلات والغزوات والنزهات، كما كان يتفقد الخيل والإبل والماشية بنفسه يومياً، ويحرص على العناية بها، ويراقب المكلفين بها، ولم يكن ذلك بغرض التجارة ولا الربح في يوم من الأيام، ولم يقل أحد إن محمد باع من هذا النتاج بريال واحد مطلقاً، فلم يكن - رحمه الله - يتاجر أبداً، ولم يكن يبيع منها شيئاً، اللهم إلا النياق المتقدمة في السن التي لم تعد تصلح للعمل أو الإنتاج، وكان ينفق ثمنها على المحتاجين والمستحقين وعلى العناية ببقية الإبل الموجودة. كان محمد - رحمه الله - لا يتدخل في الأمور السياسية إطلاقاً بل كان يتركها لأخيه عبدالعزيز؛ ليقرر فيها ما يراه، ولم يكن ذلك يعني انعزاله عن الأحداث والسياسيين والمستشارين بل كان يستقبلهم ويجلس إليهم ويناقشهم، لكن دون أن يبحث معهم أي أمر يتعلق بسياسة الدولة أو علاقاتها أو مواقفها، فقد كان يثق ثقة مطلقة بآراء أخيه ومواقفه، ويسارع إلى تلبيتها والتنفيذ الفوري الدقيق لكل ما يكلَّف به. إنها قمة التعاون الأخوي، وقمة التفاني في الإخلاص والتضامن، وقمة إنكار الذات في سبيل المصلحة العليا للبلاد.