الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على خير خلق الله أجمعين محمدٍ وعلى آله وصحبه أجمعين, وبعد. إن العناية والاهتمام بالحرم المكي الشريف والأعلام المحيطة به قديمة قدم الحرم نفسه، وتتجدد مع تجدد الزمن، حيث تجد العناية والاهتمام من قبل الولاة والسلاطين والملوك إلى يومنا هذا, ولا أحد ينكر ما لمكة - شرفها الله تعالى - من مكانة بارزةٍ في نفوس المسلمين, وإن قدسية البيت والحرم ومكانتهما في أفئدة المسلمين في شتى أنحاء المعمورة أمر ثابت لا مرية فيه. والمؤلفات في مكة وأخبارها وأخبار ولاتها، وما يختص بعمارة البيت والمقام وزمزم كثيرة جداً، وهي متوفرة بين مطبوعٍ ومخطوط, وإن معرفة حدود الحرم ووضع أعلامٍ بارزة لهذه الحدود من أهم ما ينبغي أن يعتنى به، حيث يتعلق بذلك أحكام كثيرة, والعناية بذلك قديمة جداً، فقد أورد الحافظ ابن حجر في كتابه الإصابة وحسن إسناده أن إبراهيم عليه السلام - وضع هذه الأنصاب يريه إياها جبريل عليه السلام. ثم تتابعت الجهود في وضعها وتجديدها إلى يومنا هذا. ويتضح اهتمام المؤرخين خصوصا المكيين بهذه الأعلام وضبطها من خلال مؤلفاتهم عن مكة والبيت الحرام، ولا سيما الإمامين الأزرقي والفاكهي، حيث يعتبر كتاباهما من أقدم الدراسات التأريخية التي وصلتنا، التي تتعلق بالبلد الحرام, وفيهما مباحث دراسية مهمة في هذا الموضوع. ومع هذا كله تعتبر الدراسات الميدانية من أوثق الدراسات وكم نحن بحاجة إليها لا سيما لموضع تهفو إليه أفئدة المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها أعني الحرم المكي الشريف . وحول هذا الموضوع المهم صدر كتاب بعنوان: الحرم المكي الشريف والأعلام المحيطة به دراسة تأريخية ميدانية. نال به مؤلفه معالي الشيخ عبدالملك بن دهيش درجة العالمية العالية, وقد بذل فيه معاليه جهداً كبيراً أنفق فيه الكثير من الجهد والوقت والمال حتى خرج بصورةٍ أقرب ماتكون إلى الكمال. وما من شك في أن الدراسات الميدانية من الأهمية بمكان، وتتطلب الكثير من بذل الجهد والوقت، وصاحبها على خطرٍ مما قد يعترضه من الصعاب والأمور التي يعرفها من عانى مثل هذه الدراسات, ولكن والحق يقال: إن معالي الشيخ عبدالملك بن دهيش ، وهو أحد أبناء مكة وأهل مكة أدرى بشعابها قد ذلل كثيراً من الصعاب والعقبات التي واجهته في هذه الدراسة وذلك بعون الله تعالى ثم بما بذله من جهد ووقت، وما قام به من استعانة بأهل الخبرة في هذا الشأن. ولا غرو في هذا فمعاليه أمضى جزءاً من حياته العملية قريباً من الحرم الشريف، ثم إنه عمل على إخراج بعض الكتب المؤلفة عن مكة والحرم الشريف، فاكتسب بذلك خبرة عملية . وفيما يلي عرض موجز لهذا الكتاب: قسم المؤلف كتابه إلى ثلاثة أبواب بعد المقدمة: الباب الأول: تأريخ أعلام الحرم المكي الشريف وجهود المؤرخين المكيين في ضبط حدوده, وقد ضمنه فصولاً نافعة ومباحث شيقة. الباب الثاني: في مواضع حدود الحرم المكي الشريف، حيث تناول في فصوله الأربعة ومباحثه المتنوعة أعلام الحدود الشرقية والشمالية والغربية والجنوبية، وفي هذا الباب بفصوله المذكورة معلومات جديدة وحديثة، حيث استعان معاليه بعد الله عز وجل بالخرائط الجوية ومقاييس الرسم الدقيقة. كما استعان بأهل الخبرة، ورجع إلى المصادر المتنوعة واستفاد منها بطريقته الخاصة، ونص على الأسماء الجديدة للمواقع القديمة وعرف كثيراً من المواضيع التي اندثرت أو كادت، كل ذلك مشفوع بالصور. وهذا الباب هو زبدة هذا البحث، حيث استغرق الصفحات من 179 إلى 428 . وأما الباب الثالث: فهو في الخاتمة والنتائج. فبعد رحلةٍ طويلة حول حدود الحرم الشريف وبعد الأبحاث التي عرضها عن تأريخ أعلام الحرم، قيد معاليه ما خرج به من هذه الدراسة القيمة من نتائج واقتراحات. ومن النتائج: 1 أن عِلمحدود الحرم الشريف من العلوم التي لم تكتب كتابة مستقلة ولم تدون، وإنما كان هذا العلم يؤخذ مشافهة من أصحابه. 2 أن تحديد حدود الحرم أمر توقيفي لا مجال للاجتهاد فيه، فالأعلام هي من وضع نبي الله إبراهيم عليه السلام، ومن جاء بعده مهمته التجديد. 3 أن تجديد أعلام الحرم، كان من أعظم المهمات وأشرفها، حيث أمر بها رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وفعلها بعض الخلفاء الراشدين من بعده. 4 أن آخر تحديد لأعلام الحرم الواقعة على الجبال كان في زمن الخليفة العباسي المهدي بن منصور حوالي سنة 160 ه. 5 أن عدد الأعلام المحيطة بالحرم التي تم الوقوف عليها ووصفها وتصويرها هي أربعة وثلاثون وتسعمائة ، لم يبق منها سوى خمسة عشر علماً. ويختم معاليه بحثه قائلاً: إن هذا البحث عبارة عن جهد فردي، أضعه بين يدي العلماء وطلبة العلم والباحثين، ولا أعتبر أن ما توصلت إليه هو الشيء النهائي الذي ليس بعده كلام، كلا فأنا نظرت وشاهدت وسجلت وربما فاتني شيء لم أتنبه إليه، فمن أجهد نفسه وشاهد وسجل، وظهر له الصواب في غير ما قلته فإنما مبتغاي الحق. إنني سجلت ما رأيت بكامل الأمانة، ولولا ما حملنا من هذه الأمانة لما أجهدنا أنفسنا ووضعنا هذا البحث أ, ه. والكتاب مطبوع على نفقة معاليه، ويقع في 620 صفحة من المتوسط وهو مزود بالخرائط والصور الملونة والفهارس الكاشفة. والحمد لله أولاً وآخراً.