وكن بلبلاً تغدو الحياة بشدوه ولا تكن كالبوم ينعق بالرّدى يقول الفاروق الملهم المحدث عمر رضي الله عنه: إذا نابك من أخيك حركة أو كلمة فاحملها على أحسن المحامل ما استطعت إلى ذلك سبيلا، فإن لم تجد لها في الخير محملاً فاتّهم فمك أنت.. هكذا كان ينظر إلى الأمور الرجل القويم المحدث الملهم الذي قال عنه صلى الله عليه وسلم: (لو لم أبعث فيكم لبعث عمر).. لكن المؤسف حقاً أن ترى فآماً كثيراً من الناس يحملون الآخرين على أسوأ المحامل ما استطاعوا إلى ذلك سبيلاً!! ولا أدري كيف عميت عليهم الأنباء في المحامل الحسنة، وهوى بهم مرض قلوبهم السحيق للمقاصد السيئة، وانغمسوا في حمأة الظنون الآثمة.. التي لا تنبئ إلا على سقم قلوبهم ومرض ضمائرهم، كما قال الحكيم: إذا ساء فعل المرء ساءت ظنونه وصدق ما يعتاده بالتوهم وعادى أحباءه لوشي عداته وأصبح في شك من الهم حائر ولا نستطيع أن نقول هذا رجل مريض فندعه يرسف في مرضه وشكوكه.. لأن هذا مرض متعد ضره للآخرين فتجده في كثير من الناس على كافة المستويات والصعد، وهذاربما يكون مسؤولاً، أو رب أسرة أو مدير وغيره.. فتنسحب هذه النضرة السوداوية على أعماله وتصرفاته.. وكأن الخير فيه وحده فحسب!! وفي محكم التنزيل: اجتبوا كثيراً من الظن أن بعد الظن إثم.. فهنا قال كثير من الظن وليس القليل!! وفي الحديث: (إياكم والظن فإن الظن أكذب الحديث.. ووالله إني لأسمع الخبر دائماً ثم أحب أن أخرج من المكان أو أن أضع أصابعي في أذني حتى لا أسمع تعليق بعض الناس، وردود أفعالهم ونظرتهم السوداوية الكالحة!! إنهم يحاولون أن يقرأ الأخبار والمواضيع قراءة ذكية فطنه على حد تفكيرهم الأرعن.. فهم يعتقدون أنهم أذكياء وفطناء لديهم بعد نظر!! خصوصاً إذا تعجب لهم بعض العامة وصفقوا لهم (وهؤلاء من الذين ضل سعيهم في الحياة الدنيا وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعاً!!) فلنا من الناس الظاهر والله يتولى السرائر.. فلا أدري كيف يغيب عن بعضهم (99) محملاً حسناً ولا يقع ظنه الأحمق إلا على النتن والنجاسة (أكرمكم الله). ومن يك ذا فم مر يجد مرا به الماء الزلالا فلتكن يا أخي الكريم كنحل لا يقع إلا على الشهد بحثاً عن الرحيق المصفى، ولا تكن كالذباب لا يقع إلا على الجرح النتن.. والنبي ص يقول: (لئن تخطئ فإن العفو خير من أن تخطئ في العقوبة). (والذي نفسه بغير جمال لا يرى في الوجود شيئا جميلا) أما بيت الشعر المنسوب زوراً للشافعي رضي الله عنه، (لا يكن ضنك إلا سيئا إن سوء الظن من أقوى الفطن) فهذا لا يعارض بصريح النصوص وصحيح النقول.. ولعل الصواب أن نقول: لا يكن ظنك إلا خيرا إن حسن الظن من أقوى الفطن قال شيخ الإسلام رحمه الله: قبح لمن نبذ القرآن وراءه وإذا استدل يقول قال الشاعر!! هذه ليست دعوة للنظرة السطحية، والسذاجة، ولكنها دعوة للنظر باعتدال وحسن ظن، وأن الأصل في الناس هو بذرة الخير والهدى والتقوى (ولكن كل إناء بالذي فيه ينضح) والسلام عليكم. محافظة رياض الخبراء - [email protected]