في جريدة الشرق الاثنين 22 أكتوبر نُقل عن المستشار القضائي الخاص الشيخ صالح بن سعد اللحيدان قوله: إن الأراضي الكبيرة جداً لا زكاة عليها، موضحاً أنه لا قياس في ذلك مع الذهب. وقوله «والأراضي التي لم تعرض للبيع أصلاً وإن كانت كبيرة فهذه لا زكاة عليها» وقوله «والأراضي المعروضة للبيع أصلاً وأصحابها أغنياء أو صاحبها غني فإن هذه تزكى إذا دار الحول عليها بمقدار ربع العشر». ونستخلص من أقوال الشيخ محورين أساسيين بنى عليهما اجتهاداته، الأول: أنه - حفظه الله - صنف الأراضي ضمن الأموال الزكوية إذا كانت فقط من عروض التجارة، ثم بين حد دخول الشيء في عروض التجارة بكونه معروضا للبيع، وأخرج المتربص المحتكر بأراضيه من وجوب الزكاة عليها. والثاني: أنه - حفظه الله- بنى اجتهاده هذا تنزيلاً لاجتهادات الفقهاء القدامى - القاصرة على عصرهم - على الحادث المستجد اليوم، وليس تنزيلا لقول الله ورسوله - الصالح لكل زمان ومكان - على الحادث المستجد اليوم وهو ثروة الأراضي. ونقاشي مع الشيخ - حفظه الله - اليوم سيكون بنقض الأساس الذي بنى عليه الشيخ اجتهاده وذلك بإثباتي لما نفى الشيخ بأن الأراضي لا تقاس على الذهب، ولنفي لما أثبت الشيخ بأن جعل الأراضي تأخذ حكم عروض التجارة. فالشيخ- حفظه الله- جعل من زكاة عروض التجارة عماد دليله لنفي تأصيل قياس الأراضي على الذهب والفضة ثم أنزل بعد ذلك حدها على الأراضي بشرط كونها معروضة للبيع فأخرج غالب الأراضي المحتكرة. فأقول، فلنرجع بزكاة عروض التجارة إلى الأصل فلتتساءل، وبأي دليل جعل الفقهاء القدامى - واتبعهم الشيخ اللحيدان في ذلك - النصاب والنسبة بربع العشر؟ فليس هناك دليل نصي واحد عن الشارع ولو ضعيفاً أو غيره بأن عروض التجارة فيها ربع العشر ومقدار نصابها كالذهب والفضة. لا شك أن الفقهاء القدامى أجروا قياسها على الذهب والفضة - وإن لم أر أحدا ينص على ذلك - ولكن هذا واضح الاستنباط لئلا يكون تنصيصهم في مقدار نصاب عروض التجارة ومقدارها في ربع العشر من التخرص على الله ورسوله بلا حق. فالمنصوص عليه شرعاً في أنصبة الزكاة ومقاديرها تختلف اختلافاً بينا بين الأموال الزكوية من إبل وبقر وغنم وزرع وغيره. إذن، فكون الشيخ جعل حكم الأراضي حكم عروض التجارة وبنصابها ومقدارها هو قياس للأراضي على الذهب في مقدار ربع العشر وفي النصاب، سواء أدرك الشيخ - حفظه الله - هذا أو لم يدرك، وبهذا بطل قوله- حفظه الله- «أنه لا قياس في ذلك مع الذهب». وبعد إثبات أن الذهب والفضة هما مرجع الفقهاء في نصاب ومقدار قيمة الزكاة في عروض التجارة فالسؤال هنا: فبأي علة قاسوها على الذهب والفضة وليس على زكاة بهيمة الأنعام أو الزرع أو غيره مما جاء به النص الشرعي؟ لا توجد علة منضبطة إلا كون الذهب والفضة مالين قابلين للنماء ( والنماء المقصود هو الزيادة الحقيقية في الإنتاج لا الزيادة التضخمية بالأسعار). فلو كُنز الذهب أو احتكرت الفضة ولم تُعرضا للبيع ففيهما زكاة ربع العشر بأنصبتهما المنصوص عليهما شرعا. وذلك لكونهما قابلين للإنماء وذلك بإمكانية جعلهما تعملان في التجارة والصناعة والإنتاج. وكذلك الأرض البيضاء التي بجانب بيتي هي قابلة للنماء ببنائها بعكس منزلي الذي تم بناؤه وانقطعت إمكانية نموه. وكذلك الأراضي الكبيرة المحتكرة والتي أخرجها الشيخ اللحيدان من وجوب زكاتها يمكن بناؤها وإنماؤها، بل والحاجة إلى ذلك شديدة. وبذلك تتحد مع علة الزكاة الذهب والفضة في قابلية النماء وتأخذ بذلك حكم وجوب زكاتها تماما كمقدارها ونصابها، بغض النظر عن تعطيل مالكها عن الانتفاع بها. وبهذا تتحقق حكمة الشارع الحكيم في شكر نعمته وجريان الاقتصاد والقسمة للمحروم والفقير. ولا حكمة في زكاة شويهات عجوز ضعيفة في صحراء ومنع زكاة أراض بالمليارات في المدن المعمورة لغني قوي. أما الأرض التي في صحراء وغير صالحة لبناء ولا استنفاع فهي وإن كانت مالاً فهي غير قابلة للنماء فلا زكاة فيها. وفي الجعبة الكثير في نقاش الشيخ- حفظه الله- ولكن في ما قلته كفاية. وأختم بأن هناك أموالاً نص الشارع عليها في وجوب زكاتها بأنصبتها ومقاديرها، وما عداها من غير المنصوص عليه فيأخذ حكم ما يوافقه في علة منضبطة من هذه الأموال المنصوص على زكاتها، لعموم قوله تعالى: وَفِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ لِّلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ وقوله تَعَالَى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَنفِقُواْ مِن طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُم مِّنَ الأَرْضِ . وقوله عليه السلام لمعاذ بن جبل - رضي الله عنه - حين بعثه إلى اليمن: «أعلمهم أن الله افترض عليهم صدقة في أموالهم تؤخذ من أغنيائهم فترد على فقرائهم». والمسكوت عنه، أن الفقيه بشر يتأثر بالثقافة السائدة وبالمصالح والهوى كغيره من البشر، وتأصيل الأحكام بالعلل المنضبطة تعزل هذه المؤثرات عن استنباط الحكم الشرعي، تماما كالقاضي الذي يحكمه الدستور والقوانين ويعزله عن التأثر بهذه المؤثرات. [email protected] تويتر@hamzaalsalem