سأبدأ بقصة حقيقية تقول: (سئل أحد الآباء ماذا يعني لك أن يكون لديك طفل توحدي بالمنزل فأجاب: طفلي يصل المنزل قادماً من المدرسة في الساعة الخامسة، فإن كنا محظوظين سيكون بالفراش عند الحادية عشرة، أسأل نفسي كل يوم: كيف لي أن أحتمل الحياة بين الخامسة والحادية عشرة مساءً من كل يوم..؟).. هذه مقولة لأحد آباء الأطفال التوحديين تختصر الكثير من القول عن معاناة هذه الأسر، فهو طفل غامض يعاني من مشاكل كبيرة في اللغة واضطرابات في التواصل مع الآخرين فهو يوصف بأنه انعزالي، يكره التغيير ولا يحبه، لديه عجز في التواصل البصري واللفظي مع الآخرين، مشاكل واضطرابات في النطق واللغة، وغيرها الكثير. وهناك تفسيرات مختلفة لأسباب هذا الاضطراب والتعريفات كثيرة ليزيد من الأمر حيرة على الأهل ويضعهم في حيرة من أمرهم.. (فلا شيء يكسر القلب كالطفل التوحدي)، ولكن هل من أمل؟ هل من حل؟ الجواب بالتأكيد نعم. ولهذا نقول بأنّ أسرنا وكل الأسر تعيش بين أمرين لا ثالث لهما إما صبرٌ وإما شكرٌ فإن قدر الله ورزقنا بطفل توحدي فلنصبر ولنحتمل ونحتسب، فالأمر كله خير وأجر إن صبرنا واحتسبنا، فإن ولادة طفل توحدي لا تعني نهاية الحياة والعالم، بل هي بداية جديدة لها ما بعدها من تعامل وطرق وأساليب وأفكارٍ لكيفية التعامل مع الطفل التوحدي، وخاصةً إذا علمنا أنه اضطراب مؤقت، ولنكن على يقينٍ جازمٍ أننا إن أعطينا الطفل التوحدي الكثير فسيعطينا الكثير وإن أعطيناه القليل فلن نحصد إلا القليل، وبهذا يكون للكشف السريع والتشخيص الدقيق والتقييم الصحيح الدور الكبير في حل الكثير من المشاكل، واختصار العديد من الأوقات والجهود، وهذا يكون متزامناً مع التدخل المبكر والفوري الذي سيقلل الكثير من الآهات والأحزان والقلق والخوف فيما بعد، ويقلل من التكلفة والمشقة، وسيساعد في الانتقال إلى نقلة كبيرة للتحسن في مستوى الطفل التوحدي التربوي واللغوي والاجتماعي والانفعالي، كل ذلك يكون متناسقاً مع التدخل التربوي من خلال تعامل الإخصائيين في البرنامج السلوكي والتربوي الذي سيعمل على الارتقاء بمستواه التربوي واللغوي والاجتماعي والانفعالي، فهناك العديد من البرامج التربوية المستخدمة للتعامل مع الأطفال التوحديين كبرنامج لوفاس وبرنامج دوجلاس ودينفر وليب وغيرهم الكثير. إضافة إلى العديد من الرسائل الجامعية التي أظهرت وبينت مدى دور البرامج التربوية في الارتقاء في مستوى الطفل التوحدي. وأخيراً فليتعاون الجميع من أولياء أمور، وحكومات ومؤسسات مجتمع مدني، ومراكز وجمعيات أهلية لتدعم وتساعد هذه الفئة التي تعاني الكثير وبحاجة للكثير، فهذه كلمات نقدمها لهم لندعمهم. وفي الختام نقول إن من يصنع الفرح والتفاؤل هو نحن المتعاملون مع الأطفال التوحديين، ومن يصنع الفشل والضعف والحيرة هو نحن أيضاً، فلنشمّر عن ساعد العمل والجد ولنبدأ العمل ونصنع الحياة من جديد ونقدم كل ما نستطيع من خير للأطفال التوحديين.