حين تحل الذكرى السنوية لليوم الوطني لبلادنا والتي تصادف يوم الأحد 7-11-1433ه، فإنه بقراءة سريعة للإنجازات نسبة إلى عمر الزمن، فإنّ الإنسان سيعرف جلياً أنّ ذلك المشروع الحضاري الكبير الذي أسس قواعده الملك عبد العزيز - طيَّب الله ثراه -، لم يكن مصادفة أو حدثاً عابراً في دورة التاريخ، إنما كان مشروعاً عملاقاً له من الرؤية والبُعد الحضاري ما نتج عنه مولد هذا الكيان الكبير الذي يسابق الزمن علوّاً، ويتجاوز كثيراً من الحضارات القائمة منذ القِدَم، بعد أن أدرك موحِّده الملك عبد العزيز - طيَّب الله ثراه - بأنه لا يمكن لأيّ نهضة أن تقوم بخطى واثقة وراسخة، ما لم تكن على هدى من كتاب الله وتوحيده جلّ جلاله، فلذلك كان من أهم أولويات توحيد شتات الجزيرة، هي توحيد الناس على عبادة الواحد الديّان، وتجديد دعوة المصطفى صلوات الله وسلامه عليه. ولذلك كانت نظرة الملك عبد العزيز - يرحمه الله - قائمة على نوايا صادقة مع ربه، وهي دعوة الناس إلى صدق الإيمان وترك ما يشغلهم في دنياهم من تنافر وتفرقة، أشغلتهم عن كثير من تطلُّعاتهم في الدنيا والآخرة. فكان ذلك اليوم الذي وحّد فيه الملك عبد العزيز أشتات الجزيرة وآخى بين القبائل وهو من الأيام المجيدة في التاريخ المعاصر وموحِّده هو واحد من رموز التاريخ الذي ستظل ذاكرته محفوظة في الأذهان وفي سجلات العطاء الإنساني، لأنه نقل ابن الجزيرة من حياة القسوة والألم إلى حياة الرخاء والقوة والأمان. تظلّله هذه الحضارة التي طالت كل مناحي الحياة وأصبحت الأجيال تنعم بغراسها وتباهي بين الأمم بشموخ حضارتها، ولعلّ هذا الخير الذي أفاض به الباري جلَّ جلاله لهذا الوطن من المعمورة على يد الملك عبد العزيز - طيَّب الله ثراه - يستحق الشكر لله ثم الدعاء للملك عبد العزيز بالمغفرة، لقاء ما بذله لأبناء وطنه وما سعى إليه، من خلال نواياه الصادقة وعزيمته وإصراره والرجال المخلصين معه، لبناء موطن أبناء وطنه واستعادة أمجاد آبائه على هدى من كتاب الله وسنّة المصطفى، فتحقق له بفضل الله هذا الحلم الكبير الذي يعتبره الكثير من الرواة والراصدين لحركة التاريخ، أنّ هذا الإنجاز يمثل أحد المنجزات التاريخية التي تشبه المعجزة، وما بلوغ المملكة المكانة الحالية من التطوُّر والبروز على الساحة الدولية، إلاّ بفضل الله تم عطاءات وجهود المخلصين الذين نذروا حياتهم لخدمة الوطن وأبنائه، فقد واصل من بعد الموحِّ- يرحمه الله - أبناؤه من بعده: الملك سعود والملك فيصل والملك خالد والملك فهد، تغمّدهم الله بواسع رحمته، حتى عهد الملك عبد الله بن عبد العزيز، أمدّ الله بعمره، فقد عمّت النهضة مناحي التطوُّر كافة مجالات الحياة عبر تلك الفصول المعطاءة من برامج وخطط التنمية. ساندهم في تلك العقود من حلقات النمو صاحب السمو الملكي الأمير سلطان بن عبد العزيز وصاحب السمو الملكي الأمير نايف بن عبد العزيز تغمّدهم الله بواسع رحمته، واللذان عملا إلى جانب إخوانهم الملوك مؤازرين وداعمين لكل خطط العمل التنموي ولكل الأهداف التي من شأنها رفعة شأن الوطن والمواطن، واليوم وفي هذا العهد الزاهر عهد سيدي خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز وسمو ولي عهده الأمين، فقد قفزت المملكة قفزات هائلة في شتى الميادين وبلغت مكانة مرموقة على صعيد الساحة الدولية، باعتبارها راعية وداعية للأمن والسلام وصاحبة قرار في الشأن الدولي، لما عُرف عن سياسة قادتها بالحكمة والاعتدال والخير في كل التوجُّهات، وقد استطاع الملك عبد الله - أيّده الله - أن يقود البلاد إلى مدارج أرفع في التطوُّر والازدهار فاعتنى بالإنسان تعليماً ومعيشة واتسم عهده - رعاه الله - بإنشاء العديد من الجامعات وافتتاح صروح علمية نادرة التخصص في العالم، وفتح أبواب الابتعاث للطلاب والطالبات، ضمن برامج غير مسبوقة من قبل، كما شهد البيتان أكبر توسعة في التاريخ، وتحوّلت البراري والجبال والشواطئ إلى ورش عمل لا تهدأ ليل نهار من أجل بناء الخدمات والمشاريع العملاقة التي تسهل للناس سبل العيش والحياة، واستطاع - رعاه الله - أن يحفظ للمملكة أمنها وحمايتها وسط متغيّرات سياسية وتحولات إقليميه كبيرة، كما شهد الاقتصاد قوة ومتانة في ظروف تعيشها أغلبية الدول تقلّبات حادة في أنظمتها الاقتصادية، كل هذا وغيره تحقق بفضل الله ثم السياسة الحكيمة للدولة التي تنتهجها والتي تراعي رضا الرحمن وإسعاد المواطنين، فأسأل الله أن يحفظ للمملكة أمنها وأمانها في ظل باني نهضتها وقائد مسيرتها خادم الحرمين الشريفين وسمو ولي عهده الأمين وأن يقي الوطن شر الفتن. - أمير منطقة الباحة