نوه سفير بريطانيا لدى المملكة السير جون جنيكينز بعمق العلاقات التاريخية التي تربط المملكة العربية السعودية بالمملكة المتحدة معتبراً أن هذه العلاقات مبنية على أسس متينة ليس فقط بين الحكومتين ولكن أيضا بين الشعبين الذي عدهما مجتمعين متقاربين إلى حد ما من ناحية تعدد الاعراق والثقافات نظرا لحجم الجاليات الأجنبية التي تقيم في كلا البلدين، واعتبر المملكة العربية السعودية دولة مهمة سياسيا واقتصاديا على المستويين الإقليمي والدولي، مؤكداً أنها اكبر اقتصاد وأكبر سوق في المنطقة، كما انها اكبر مصدر للطاقة في العالم، وتكاد تكون الدولة الوحيدة القادرة على ضبط واستقرار أسعار البترول في العالم، بالإضافة إلى وجود الحرمين الشريفين الذي يجعلها أهم دولة إسلامية. كما أكد السيرجون على تطابق وجهات النظر البريطانية السعودية حول العديد من القضايا المهمة في المنطقة وتطرق السفير البريطاني في حواره مع الجزيرة إلى عدة مواضيع ومجالات منها الإصلاحات الخليجية والثورات العربية والملف السوري، حيث طالب بمزيد من الضغوط الدولية على نظام الأسد لحمله على اتخاذ الخطوة الأولى،كما يجب على الأسد أن يتنحى عن منصبه، مشيداً بمبادرة وجهود خادم الحرمين الشريفين لمساعدة الشعب السوري، فإلى الحوار ومزيد من التفاصيل: * سعادة السفير اعتمدتم سفيراً لبريطانيا بالسعودية منذ بضعة أسابيع، كيف ترون العلاقات السعودية البريطانية، كما نود أن نتعرف على البداية، كيف بدأت هذه العلاقات بين المملكتين وما هي الأسس الراسخة لهذه العلاقات؟ - لقد تم ترشيحي لهذا المنصب من قبل وزارة الخارجية البريطانية ومن ثم تمت موافقة المملكة العربية على هذا الترشيح، العلاقات البريطانية السعودية تاريخية ومتشعبة ولا تقتصر على مجال واحد، وهي ايضا تاريخية تعود جذورها إلى معركة جراب في عام 1917 عندما قتل الكابتن شكسبير وهو يقاتل إلى جانب الملك عبد العزيز وما تبع ذلك من لقاءات تاريخية اهمها اللقاء التاريخي بين الملك عبد العزيز ورئيس الوزراء في ذلك الوقت ونستون تشيرشل. هذه العلاقات مبنية على أسس متينة ليس فقط بين الحكومتين ولكن ايضا بين الشعبين والعائلتين المالكتين. * ما هي أولوياتكم عند الشروع في مهامكم الدبلوماسية؟ وما هو برنامجكم للرقي بالعلاقات البريطانية السعودية؟ - من الطبيعي ان يقوم أي دبلوماسي جديد قبل ممارسة عمله بتقديم أوراق اعتماده إلى خادم الحرمين الشريفين او إلى وزير الخارجية، وبعد ذلك يقوم بترتيب برنامج لقاءات مكثف مع كبار المسؤولين. وقد قمت بالفعل بتقديم اوراق اعتمادي إلى صاحب السمو الملكي الأمير سعود الفيصل، والتقيت بالفعل بعدد من معالي الوزراء وسوف أستأنف هذه اللقاءات. * ماذا يميز العمل الدبلوماسي مقارنة بالمجالات الأخرى؟ وماذا يعيبه؟ - العمل الدبلوماسي له مزايا كثيرة من اهمها السفر والتعرف على دول وثقافات جديدة وبناء صداقات متينة وطويلة مع ابناء هذه الدول وتعلم لغاتها، ولكنه يعيبه عدم الاستقرار، ففي الوقت الذي تشعر فيه بأنك قد فهمت الناس وبدأت تشعر بأنك تعودت على الإقامة والعمل يكون الوقت قد حان للرحيل إلى مكان آخر. * التقارب الحضاري بين الدول كيف تجدون دور السفارات والممثليات الدبلوماسية للدول في تفعيل هذا الجانب؟ - من الطبيعي الا ينحصر دور السفارات على إصدار التأشيرات وخدمة الرعايا الموجودين في هذه الدولة، فمن أهم الادوار التي يجب ان تقوم بها السفارات، وأنا أتكلم هنا عن السفارة البريطانية، هو تعريف المجتمع البريطاني بالمجتمع والثقافة السعودية. فالمجتمع البريطاني متشابه بشكل ما مع المجتمع السعودي من ناحية تعدد الأعراق والثقافات نظرا لحجم الجاليات الأجنبية التي تقيم في كلا البلدين. * بحكم منصبكم سفيراً للمملكة المتحدة في الرياض بودنا أن نتعرف على مكانة وثقل المملكة من وجهة نظركم المحايدة؟ - المملكة العربية السعودية دولة مهمة سياسياً واقتصادياً على المستويين الاقليمي والدولي، فهي اكبر اقتصاد واكبر سوق في المنطقة، كما أنها اكبر مصدر للطاقة في العالم وتكاد تكون الدولة الوحيدة القادرة على ضبط واستقرار اسعار البترول في العالم. وبالطبع يجب ألا ننسى ان وجود الحرمين الشريفين يجعل المملكة العربية السعودية أهم دولة إسلامية. * كيف تقرؤون ما تم مؤخراً من إصلاحات داخلية خليجية بشكل عام وفي السعودية بشكل خاص هل هي كافية؟ أم لا يزال الطريق طويلا في هذا الجانب؟ - التغيير هو سنة الحياة والإصلاحات لا تتوقف طالما بقي الإنسان على وجه الأرض، فقد بدأت المملكة العربية السعودية منذ فترة بتغيير قوانينها الداخلية فرأينا إنشاء مجلس الشورى وإنشاء جمعيات لحقوق الإنسان والهيئة العامة للاستثمار وإصدار النظام القضائي كما رأينا قرارات الملك عبد الله الأخيرة بإشراك السيدات كأعضاء في مجلس الشورى والمجالس البلدية، ويجب هنا ان نذكر المشاركة النسائية في الألعاب الأوليمبية بلندن هذا العام، فلا أعتقد ان هناك نهاية للإصلاحات بقدر ما أن هذه الإصلاحات يجب أن تعبر عن إرادة الشعوب واحتياجاتها. * برأيكم ماذا أثمرت الشركة الإستراتيجية التي سعت القيادة السعودية إلى إرسائها مع البلدان الصناعية الكبرى ومنها بريطانيا منذ التسعينيات من القرن الماضي؟ وإلى أين وصلت وتطورت اليوم مع بريطانيا؟ - كما أسلفت فإن المملكة العربية السعودية هي أكبر شريك استراتيجي لبريطانيا في المنطقة. والمملكة العربية السعودية تسعى منذ فترة إلى تحسين بيئتها التحتية ليس فقط لجذب المزيد من الاستثمارات ولكن ايضا لنقل احدث التكنولوجيا. ونظرا لأن الشراكة البريطانية السعودية هي شراكة متشعبة، فإن التواجد البريطاني في المملكة العربية السعودية لا يهدف إلى تحقيق ارباح سريعة ولكنه يهدف إلى تأسيس شراكة حقيقية طويلة الأمد، فإلى جانب تحقيق الأرباح للطرفين وخلق وظائف جديدة للشباب السعودي، فإن الشراكة البريطانية تهتم أيضا بنقل التكنولوجيا إلى المملكة العربية السعودية، وقد لاحظنا ان جميع الصفقات تحتوي على بندين أساسيين هما نقل الخبرة والتدريب. فنحن لدينا 200 مشروع مشترك تبلغ قيمتها حوالي 17.5 مليار دولار في المجال الصحي والتعليم والطاقة والدفاع والاتصالات وتحلية المياه والمقاولات وتصنيع الادوية والبتروكيماويات، وقد بلغت الصادرات البريطانية إلى المملكة العربية السعودية حوالي 9.8 مليار دولار امريكي في العام الماضي. * كيف تتطلعون إلى زيادة العلاقات المستقبلية بين البلدين، خصوصاً في الجانب التعليمي من خلال برامج الابتعاث الحالي؟ - ان التعليم هو أحد اهداف مجالات الشراكة السعودية البريطانية، وكلنا يعلم مدى الأهمية التي توليها الحكومة السعودية للتعليم من خلال برنامج الابتعاث الطموح، إن نظام التعليم في بريطانيا يعتبر من الأفضل في العالم من حيث الجودة. فلدى بريطانيا 4 جامعات ضمن قائمة افضل عشرة جامعات في العالم، و15 جامعة ضمن أفضل 100 جامعة في العالم، ونحن في بريطانيا نرحب بالطلاب السعوديين سواء للدراسة الجامعية أو الدراسات العليا أو حتى لتعلم اللغة الإنجليزية في المدارس والمعاهد الخاصة، فعلى الرغم من وجود 18 ألف طالب سعودي يدرسون في بريطانيا فلا يزال هناك جامعات بريطانية لا يوجد بها طالب سعودي واحد. * كم يبلغ عدد السعوديين القادمين إلى بريطانيا؟ وفي المقابل كم يبلغ عدد البريطانيين القادمين إلى المملكة سنوياً؟ - يزور بريطانيا سنويا اكثر من 150.000 سعودي من أجل التعليم والسياحة والعمل، وبعضهم يملكون منازلهم الخاصة، وفي المقابل يقيم في المملكة العربية السعودية حوالي 20.000 بريطانيي للعمل، كما يزور المملكة العربية السعودية أكثر من 70.000 مسلم بريطاني للحج والعمرة. * قضيتم ما يقارب 32 عاماً في الشرق الأوسط،كيف كانت تجربتكم وما هي أبرز الذكريات العالقة في ذاكرتكم عن المنطقة وأحداثها؟ - نشأت على محبة العالم العربي وعلى دفء وكرم ضيافة شعوبه. ولن أنسى أبدا المعاملة اللطيفة والترحيب الحار بنا أينما حللننا. إن هذه المنطقة موغلة في التاريخ، بعضه مشترك وبعضه الآخر في غاية التعقيد، بيد أن شعوب المنطقة تظهر قدرة فائقة على المرونة وشجاعة نادرة. أتذكر عندما سافرت إلى لبنان في عام 1982 وشاهدت من الطائرة آثار الدمار في منطقة رأس بيروت. كما شا هدت على التلفاز صور الهجوم الجوي المروع على بيروت في كل ليلة في عام 1983م. ولكني شاهدت أيضا إرادة الشعب اللبناني الذي لا تقهر تصميمه على إعادة إعمار المدن وبناء الحياة عقب اتفاق الطائف الذي وضع حدا للحرب الاهلية، كما أني زرت حلبجة حيث قتل صدام حسين النساء والأطفال الأكراد بالغازات. انظروا إلى الازدهار الذي تعيشه المنطقة الكردية في العراق الآن ولا يسعني إلا أن اذكر مشاهدتي عن قرب للدمار الذي سببه النزاع الذي اندلع في ليبيا في العام الماضي، اليوم يسعى الليبيون لبناء دولة مزدهرة أفضل. أتذكر الأمسيات التي قضيتها في أحياء دمشق وحلب القديمة وأنا استمع إلى العزف على العود وأراقب النجوم، إن ما يحدث في سوريا اليوم مروع ولكن الشعب السوري سوف يتجاوز هذه المحنة. وبالانتقال إلى موضوع اقل حدة، أقول بأن زوجتي من محبي الموسيقى العربية الشعبية، ولاسيما الأغاني اللبنانية لنانسي عجرم واليسا وعمرو دياب وأنا شخصيا أحب صوت فيروز. ومن الذكريات الأثيرة لدي الجلوس تحت شجر الأرز وعلى ضفاف نهر النيل ونهر دجلة وعلى شواطئ البحر الأحمر والخليج أو على سطح احد المنازل الفلسطينية في ليلة مقمرة في أريحا وأنا أتناول أطباق الفتوش والتبولة والمسخن والضولمة والمقلوبة والمسكوف وسمك سلطان إبراهيم وغيرها من الأطباق الشهية بينما نتجاذب مع الأصدقاء أطراف الحديث بشأن العالم وشجونه. * من الطبيعي أن تختلف الدول قليلاً أو كثيراً فيما يخص ملفات كثيرة؟ برأيكم ماذا عن تطابق وجهات النظر بين العلاقات السياسية البريطانية السعودية فيما يخص القضايا الدولية وخصوصاً ما يحدث في سوريا؟ - أستطيع ان اؤكد لك تطابق وجهات النظر البريطانية السعودية حول العديد من القضايا المهمة في المنطقة. بالطبع هناك رؤى مختلفة ولكن الاهداف غالبا ما تكون واحدة. فنحن ضد بناء المستوطنات ومع إقامة دولة فلسطينية ومع استقرار الأوضاع في اليمن ومع حق الشعب السوري في حياة كريمة واختيار من يرتضيه لقيادة سوريا في المرحلة القادمة. نحن ندين العنف ضد المدنيين، وندعو النظام السوري ليرحل وندعم المعارضة ولكن ليس بالسلاح. * في إطار تتبع الرأي العام العربي للتطورات السورية أود من سعادتكم الإجابة عن السؤال التالي: ما هو موقف بريطانيا مما يحدث في سوريا الآن؟ - باختصار شديد طالما استمر القتال في سورية، فإن الضغوط الدولية على نظام الأسد سوف تزداد كثافة... ولابد من مواصلة الضغوط الدولية على النظام لحمله على اتخاذ الخطوة الأولى، كما يجب على الأسد أن يتنحى عن منصبه. * كيف تنظر بريطانيا إلى الدور السعودي في هذا الملف؟ - لقد أوضحت المملكة العربية موقفها من البداية برفض العنف ضد المدنيين وحق الشعب السوري في اختيار من يمثله فسحبت سفيرها من سوريا وأغلقت سفارتها في دمشق وتبعها دول مجلس التعاون الخليجي. وهنا يجب ان أشيد بدعوة الملك عبدالله للحملة السعودية لمساعدة الشعب السوري. * ما توقعكم لسيناريو نهاية النظام السوري، كيف ستكون ومتى؟ - ان القرار في النهاية يرجع إلى الشعب السوري، ولكني أرى أن النظام قد فقد مصداقيته وشرعيته وأعتقد انه طال الزمن أم قصر فإن النظام لابد أن يرحل.