مرّ رمضان، أخذ كل الذي أُعْطي منَّا..., وترك شيئا منه غائراً في الحس..., أسئلة كثيرة رسمها في يوم عيده.. وهو يودع بتلويحة مليئة بأبجديات الدهشة، والحسرة، والفرحة، وأشياء عميقة.. يقرأها من يصادق رمضان، من يبث إليه شجنه، وشجونه، ويفضي إليه بخيباته، وآماله.. من يأخذ بتلابيب ذاته فيبسطها بين يديه..، ينتقي من أحراشها أشواكَها، ويدع ليد رمضان أن تحيلها لورق ورد تعبق بشذاه لحظات نبضه, ودقات خفقه.. يهبه مفاتيح روحه المغلقة، فيعالج بها رمضانُ فيه مغاليقَها، ويروض أقفالَها.. من يرشف من رمضان شهد لياليه، ويقتني جواهر أسحاره، ويرتدي حلل سكينته، وهيبته.. وأسئلة كثيرة رفعها رمضان في يوم عيده في مدى بصيرة الإنسان: كم من الملايين أغدقها هذا الإنسان على الحلوى, وهو لا يدري ما الذي تحلو به صحائفه مما أودع في زوُّادات رمضان عند رحيله..؟! وكم من أرطال الذهب، وأوزان الثياب، التي فاضت عن حاجاته هذا الإنسان قد اقتناها فرحة بعيده، وهو يجهل ما الأوزان التي حمَّلها ركائبَ رمضان وهو يذهب بما تركه فيه..؟ مرَّ رمضان، أخذ جراح السوريين، ودماءهم، وصراخهم، وأنينهم، وأرواحهم.. والناس لا تملك إلا دعاء بعضهم حمله عنهم لأعنان السماء رمضان في ليله ونهاره.., وحروفاً أمضوا لياليه وأيامه يهدرون أحبارها، دون أن يحركوا قيد أنملة في وضع القتلى، والجرحى, والفاقدين, والمدمرين فيها، وفي غيرها.. مرَّ رمضان ولا يزال التناكب على الدنيا، والتنابز على المقاعد، والتبارز بالثروات، ومليارات تهدر في السفر، والحضر.. وتعم السماء تراشقات الألعاب.. ورهط أكثر فقراً، وعوزاً، وشقاء، وعراء، وحاجة للفرح.. بينهم.. مرَّ بأنين الفقراء، وبكاء الثكالى، وعويل الفاقدين، ونحيب المظلومين.. مرَّ ببحة حلوق المؤذنين، والمؤمِّين، ورهط لا حصر لهم فيه نيام، أو منكبون على الموائد... وسيأتي رمضان آخر، فما نقول له عما سلف..؟ أو ما تلف..؟ عنوان المراسلة: الرياض 11683 **** ص.ب 93855