لم يعد ما يحدث في سوريا ثورة شعب ضد النظام الذي يحكمه، بل أصبحت اليوم حربا دموية بين شعب أعزل ونظام مدجج بالسلاح، والبحث عن نهاية لجريان الدم وإزهاق الأرواح أصبح واجبا إنسانيا لا علاقة للسياسة والمصالح به، إلا إذا كانت سياسة أو مصالح ضد الإنسانية. وإذ يجتمع قادة الأمة الإسلامية في قمة التضامن في المكان والزمان المقدسين، فالمكان مكةالمكرمة والزمان ليلة القدر، والمجتمعون هم قادة الأمة، والخطب جلل، فنحن أمام شعبين من أمة الإسلام يذبحون بكل وحشية وشيطانية، (الروهينجيا) في (ميانمار) والعرب في سوريا، وإذا كان ما يحدث في (ميانمار) هو ابتلاء لأقلية مسلمة على يد عرقيات أخرى مثل (الرخانيين) أتباع الديانة البوذية الوضعية، دون أن تتدخل السلطات هناك لوقف هذه المذابح، فإن ما يحدث في سوريا أعجب، فهناك نظام حاكم بالحديد والنار أبى واستكبر إلا أن يستعبد الناس من دون الله، رغم ادعاءه الانتماء للعروبة والإسلام، وهما براء من أفعاله، إلا أنه وبكل أسف نجد من بعض إخوتنا في الإسلام - وإن تباينت المذاهب التي يسعى المخلصون في إخماد فتنتها - أقول نجد من يعين ويدعم ويساعد هذا النظام ويترافع عنه في المحافل الدولية، بحجج لا تصمد أمام الواقع والحقائق، ومن هذه الحجج أن ما يجري في سوريا هو حرب على الإرهاب، ولست أفهم كيف يجيز الحس الإنساني والإسلامي لمسلم أن يصف شعب مسلم بكامله بالإرهاب لقاء حماية سياسة أو مصالح مع نظام ثار عليه شعبه، ومن الحجج أيضا أن ما يجري في سوريا هو تدخل صهيوني عربي إسلامي ضد نظام عربي إسلامي مقاوم، ولا أعرف كيف تستقيم هذه مع تلك. ويتوقع أن يحضر القمة فخامة الرئيس محمود أحمدي نجاد رئيس جمهورية إيران الإسلامية، والذي يحمل فهما مختلفا لما يحدث في سوريا عن باقي إخوته من زعماء الدول الإسلامية، وإذا كنا تعودنا في عالمنا الإسلامي أن لا نتفق على الحلول لقضايانا مع الآخرين وحتى قضايانا فيما بيننا، وفي الغالب ننتظر من الآخرين خارج الأمة قيادتنا وتوجيهنا نحو الحلول، والتي في غالبها الأغلب تأتي على حساب مصالحنا وعروة وحدتنا، إلا أني اليوم وبعد عام ونيف من الدم وزهق الأنفس في سوريا أجد في حضور الرئيس نجاد ما يدعو للتفاؤل، وأدعو الله سبحانه وتعالى أن يرفع عن هذه الأمة كرب الشقاق والتمزق في الرأي والرؤية، لنصل إلى أرضية مشتركة من الفهم والوعي النبيل السامي، البعيد عن شرور الجهل التي ترسبت بعض بقاياها داخل الأنفس، رغم تبدل الأزمان وتغير الأحوال، ووضوح تكاتف أعداء الأمة ضدها، مع انسلاخ ركام الجهل والظلام عنها وتشقق الفجر عن مستقبل نطمح ونسعى إليه، فيزيدنا هذا أملا في أن تخرج هذه القمة ذات الخصوصية في الزمان والمكان بما يخدم الأمة في لم شملها واستعادة الحد الأدنى من وحدتها. لقد ثار الشعب السوري في أتون ربيع عربي، على واقع رديء ومحبط، توقا للحرية والرفعة اللائقة به كشعب عربي مسلم، لا تستعبده القوة الباطشة ولا الطغاة الانتهازيين، من أولئك الذين أذلوا شعوبهم واحتقروا آدميتهم وأخنعوا رؤوسهم بين شعوب العالم، بمنهاج سياساتهم الخاطئة الرعناء والتي تساوت فيها الادعاءات في (مع أو ضد) بنظم ظالمة وغاشمة، أفقرت العباد ورهنت البلاد ووئدت المستقبل في خيارات أعلت مصالحها وداست على مصالح شعبها بكل خسّة ودناءة، فكان لا بد لهذه الشعوب أن تثور وتنتفض لكرامتها ونيل حقوقها، وانتصرت في تونس ومصر وليبيا واليمن، ولا بد أن تنتصر في سوريا بإذن الله، وإذا كانت الانتصارات في ثورات الربيع العربي تباينت في مخارجها، وكان أقساها في ليبيا بحكم جنون العظمة الذي تلبس معمر القذافي، فإنه حري اليوم بأصدقاء النظام السوري مناصحته في رفع بطشه وترك الخيار للشعب ليقرر مصيره بنفسه، إذ أنه أصبح من العبث اليوم إعادة الساعة في سوريا إلى الوراء، وصار الخيار اليوم عن سوريا المستقبل وكيف ستكون، في موقعها وتحالفاتها وتوجهاتها، وعسى أن يكون ذلك أحد نتائج هذه القمة، ليعيد إيران إلى مكانها الطبيعي كعضو فاعل في منظومة العمل الإسلامي، من خلال مشاركتها للدول العربية والإسلامية في تجنيب سوريا المستقبل من الوقوع في براثن التمزق، أو أن تصبح مأوى لاستيراد الإرهابيين وعصابات الموت، لتكون في النهاية خطر يهدد الأمن والسلم العالمي الذي تتشدق به دول نسعى جاهدين للتخلص من وجود قواعدها وأساطيلها في المنطقة. [email protected] Twitter: @HassanAlyemni