في العالم الغربي تعمل مراكز البحوث والدراسات لصالح الحكومات، وهي مراكز تضم بين جنباتها أرقى العقول من شتى بقاع الأرض، والغربيون قوم لم تكن تصرفاتهم «ردات أفعال» في يوم ما، فهم يسيرون وفق خطط تحركها مصالحهم الإستراتيجية ومصالح حلفائهم، وهم قوم لا يستعجلون، فما يخطط له اليوم، قد لا يتم تنفيذه إلا بعد عقود مهما تعاقبت الحكومات، ففي النظم الديمقراطية العريقة تتغير الأسماء، ولكن تبقى السياسات الإستراتيجية على الطاولة دوما، ومن يراقب تطورات الأحداث في منطقنا الحيوية يتذكر أن الرئيس كلينتون الديمقراطي أكمل مشروع بوش الجمهوري في العراق وأفغانستان، وكذلك فعل أوباما مع بوش الإبن، وقبل هذا وذاك، كان بوش الأب استكمالا لمشروع الرئيس ريجان، وهكذا دواليك تسير الأحداث، ونحن شهود عليها. قبل أكثر من ثلاثة عقود بدأت حرب بين العراق وإيران أكلت الأخضر واليابس، وتركت قوتين إقليميتين على حافة الإفلاس، ولا يخفى على ذي لب من كان المستفيد الأول من تدميرهما، واستنزاف موارد جيرانهما بشكل لم يسبق له مثيل، ولم تكد منطقتنا تهدأ حتى كانت حرب الخليج الثانية في 1991، والتي أعادت العراق إلى العصور الوسطى، كما وعد السيد جيمس بيكر وزير خارجية امريكا حينها ، وغيرت وجه المنطقة للأبد، ولم يكد يمر عقد آخر حتى كانت احداث سبتمبر، وما تلاها من احتلال لبلدين مسلمين، وهنا يحسن أن نشير إلى نقطة طالما أشار إليها المعلقون، وهي الادعاء بأن أمريكا فشلت في العراق، وأنها سلمته إلى عدوتها ايران، وهذا تبسيط مخل يصعب استيعابه، ومن يقول بهذا يتناسى حكاية « الفوضى الخلاقة»، التي لم يستوعبها كثيرون في حينها، ومثلها حكاية « الشرق الأوسط الجديد « التي تحدثت عنها السيدة كونداليزا رايس قبل مدة طويلة، فهل حان وقت تذكرها، والتوقف عندها الآن؟!. العالم الغربي يخطط ويعمل، ويقول ويفعل، ويجب أن تؤخذ تصريحات مسؤوليه على محمل الجد، وإذا افترضنا أن مخطط الشرق الاوسط الجديد قد بدا فعلا باحتلال العراق، فهل سيعترض علينا أحد لو قلنا: إن ما اصطلح على تسميته بالثورات العربية هو استكمال لهذا المخطط؟، وهل يستطيع أحد أن يتنبأ بنهاية هذا المشروع؟ ومنهم ضحاياه وأبطاله الجدد؟ وإلى أين سينتهي هذا كله؟، وعلى كل من يعترض على ما أقول: أن يتذكر أن عتاة المحللين السياسيين لم يتوقعوا أن يصل الإخوان المسلمون إلى السلطة في بعض البلاد العربية، ولكنه حدث، وأصبح واقعا، أليس كذلك؟، ثم تساؤل أخير : من هو عراب مشروع الشرق الأوسط الجديد، أو بتعبير آخر، من هو بيرسي كوكس الجديد، ولا نستغني عن إجابتكم. فاصلة:» السياسة أمر هام جدا، لذا من الأفضل ألا نترك أمرها للساسة!».. شارلز ديجول. [email protected] تويتر @alfarraj2