قطع الرئيس المصري محمد مرسي خطوة مهمة نحو بناء حكومته باختيار وزير الري هشام قنديل لرئاسة الوزارة. فبعد شهر من بدء فترته الرئاسية لم يتمكن مرسي حتى الآن من تجميع صلاحياته الرئاسية في يده. وفي الوقت الذي يحاول فيه مرسي تعزيز الحكم المدني من خلال حكومة فعالة يحتاج أول رئيس مصري منتخب بطريقة ديمقراطية إلى التعلم من الخبرة الأمريكية الواسعة في مراحل تسليم وتسلم الرئاسة بين الرؤساء مع البدء بثلاثة دروس مهمة. الدرس الأول هو ضرورة تجنب «فخ المائة يوم الأولى» منذ أطلق الرئيس الأمريكي الأسبق فرانكلين روزفلت أسطورة «المائة يوم الأولى» في السلطة أصبحت النجاحات التي تتحقق في أول مائة يوم من عمر أي إدارة أمريكية هي «الكأس المقدس» للرئيس. والحقيقة هي أن المائة يوم الأولى لا تكفي لأكثر من وضع أسس الإنجازات المستقبلية وليست وجبة للاستهلاك الإعلامي. وقد انتشرت في مصر حمى أول مائة يوم بعد أن تعهد الرئيس مرسي بتطبيق ما يسمى بمشروع النهضة خلال الشهور الأولى له في السلطة بما في ذلك إصلاح جهاز الشرطة وحل مشكلة المرور والقمامة وحل أزمة الخبز والوقود. الحقيقة أن هذه الأجندة خيالية وخطيرة في الوقت نفسه لأنها تؤدي إلى ارتفاع كبير في سقف التوقعات الشعبية. حتى في الولاياتالمتحدة يمكن أن يصطدم الرئيس الجديد بكونجرس مناوئ له مما يؤدي إلى تعثر كل مبادرات الرئاسة الأولى. وقد واجه مرسي في مصر عقبة من هذا النوع بسبب حل مجلس الشعب واستحواذ المجلس العسكري على السلطة التشريعية. الدرس الثاني: يجب على مرسي أن يكون حذرا في التعامل مع وعوده الانتخابية. ففي الحملات الانتخابية القوية يتسابق المرشحون في تقديم الوعود التي تجذب أصوات الناخبين أكثر من كونها وعودا واقعية قابلة للتنفيذ في المدى الزمني المحدد. هذا النمط السياسي موجود في كل من الديمقراطيات الناشئة والعريقة على السواء. أكبر أخطاء الرؤساء الجدد ليس إطلاق الوعود أثناء حملتهم الانتخابية وإنما التمسك بتنفيذ هذه الوعود حتى بعد إدراك أن حقائق الحكم والواقع تجعل من الصعب تنفيذ هذه الوعود. بالفعل فإن مرسي سيكون حكيما إذا تفادى الوقوع في الخطأ الذي وقع فيه الرئيس الأمريكي الأسبق جون كيندي الذي كان قد تعهد خلال حملته الانتخابية بتبني سياسات أكثر تشددا تجاه كوبا مقارنة بسلفه دوايت إيزنهاور. فعندما حاول تنفيذ هذا الوعد رغم الصعوبات الواقعية فإنه تورط في مغامرة خليج الخنازير عندما حاولت الولاياتالمتحدة غزو كوبا ففشلت فشلاً ذريعا. الدرس الثالث: يجب على مرسي استقطاب الجهاز البيروقراطي للدولة وجذبه إلى صفه. فالموظفون البيروقراطيون هم قاطرة تطبيق السياسات ولكن غالبا ما يغفل الرئيس الجديد عن أهميتهم فتكون النتيجة صعوبات شديدة تعرقل خطط الرئيس. فالرئيس عليه التعامل بحذر شديد مع الوزارات السيادية والجهاز الإداري للدولة ووسائل الإعلام الحكومية لأن هذه الأطراف ستكون مؤثرة بشدة في تحديد مصير مبادراته. لذلك فالدواء الشافي لداء البيروقراطية هو مد اليد إليها واستقطابها. فالمعلومات والخبرات المؤسسية والموظفين البيروقراطيين يعدون عنصرا حيويا لنجاح عملية انتقال السلطة. وقد أكد الرئيس الأمريكي باراك أوباما أهمية هذه الحقيقة عندما حرص على ضم مساعديه إلى فرق مراجعة العمل في المؤسسات التنفيذية خلال الفترة التي سبقت تنصيبه إلى جانب الحرص على معرفة كيفية عمل الجهاز البيروقراطي للدولة. مرسي ليس الزعيم الوحيد الذي يحاول إقامة ديموقراطية ناشئة خارجة من ظل حكم ديكتاتوري .السياسيون الليبيون والتونسيون يواجهون نفس الموقف والتحديات. ورغم الانتقادات الكثيرة التي يمكن توجيهها إلى الديموقراطية الأمريكية فإن الحقيقة هي أن الولاياتالمتحدة تقدم تجربة جيدة للانتقال السلمي والسلس للسلطة بين الرؤساء المتعاقبين. هذا التقليد الأمريكي الراسخ يقدم دروسا مهمة للغاية للنظام المصري الذي يقطع أولى خطواته نحو تأسيس حكم مدني ديمقراطي حقيقي في إطار الربيع العربي ككل. (*) باحثة سابقة في مجلس العلاقات الخارجية الأمريكي (ذا تربيون ريفيو) الأمريكية