الحمد لله الذي جعل شهر رمضان من أفضل شهور العام، وفضل أيامه على سائر الأيام، وعَمَّر نهاره بالصيام، ونور ليله بالقيام، نحمده ونشكره أن هدانا للإسلام ومَنَّ علينا بإدراك شهر الصيام، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، إله تفرد بالكمال والتمام، وأشهد أن نبينا محمداً عبده ورسوله سيد الأنام، وأفضل من صلى وزكى وحج وصام، وأتقى من تهجد لله وقام، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وأتباعه بإحسان على الدوام، صلاة دائمة ما تعاقب الضياء والظلام، وسلم تسليماً كثيراً. إخواني: لقد أظلنا شهر كريم وموسم عظيم خصه الله تعالى بالتشريف والتكريم، وأنزل فيه القرآن العظيم، يُعَظِّم الله فيه الأجر ويُجزل المواهب، ويفتح أبواب الخير فيه لكل راغب، شهر الخيرات والبركات، شهر المِنَح والهبات، شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن, هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان. إخواني: هذه وقفات لمن أدرك شهر رمضان، لعل الله عز وجل أن ينفعني وإياكم بها، فقد قال الله تعالى: {وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنفَعُ الْمُؤْمِنِينَ} (الذاريات 55). - الوقفة الأولى: أن يتذكر الإنسان أنه لم يُخْلَق ولم يوجد في هذه الدنيا إلا لعبادة الله تعالى وحده لا شريك له، قال الله تعالى: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} (الذاريات56). فحقٌ علينا أن نعتني لِمَا خُلقنا له، ونُحسن عبادتنا لله تعالى، ونؤديها على أكمل وجه، ومنها الصيام. - الوقفة الثانية: أننا ولله الحمد نتقلّب في نِعَم الله عز وجل، أمنٌ في الأوطان، وصحةٌ في الأبدان، وسعةٌ في الأرزاق، وغيرها من النِّعم، فعلينا واجب شكر الله عز وجل على هذه النِّعم العظيمة بالقول وبالفعل، وأعظم أنواع الشكر طاعة الله عز وجل واجتناب نواهيه، فإن النِّعَمَ تدوم بالشكر، قال الله تعالى {وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِن شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ} (إبراهيم 7). - الوقفة الثالثة: أن تعلم أن من نِعَم الله عليك أن مَدَّ في عمرك وجعلك تدرك هذا الشهر الكريم، فكم غَيَّب الموت من صاحب، ووارى الثرى من حبيب، فإن طول العمر والبقاء على الحياة فرصة للتزود من الطاعات، والتقرب إلى الله عز وجل بالعمل الصالح، فرأس مال المسلم هو عمره الذي يمضيه في طاعة الله تعالى. فاحرص على أوقاتك وساعاتك حتى لا تضيع عليك، واجعل لك نصيباً من قول النبي صلى الله عليه وسلم: (اغتنم خمساً قبل خمس: شبابك قبل هرمك، وصحتك قبل سقمك، وغناك قبل فقرك، وفراغك قبل شغلك، وحياتك قبل مماتك). واحرص أن تكون من خيار الناس كما أخبر بذلك النبي صلى الله عليه وسلم فعن أبي بكرة رضي الله عنه أن رجلاً قال: يا رسول الله: أيُّ الناس خير؟ قال صلى الله عليه وسلم: (من طال عمره وحسن عمله) قال: فأيُّ الناس شر؟ قال صلى الله عليه وسلم: (من طال عمره وساء عمله). - الوقفة الرابعة: عَوَّد نفسك على ذكر الله تعالى في كل وقت، وعلى كل حال، وليكن لسانك رطباً بذكر الله عز وجل في رمضان وفي غيره، وحافظ على الأدعية والأوراد الشرعية، قال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْراً كَثِيراً وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلاً} (الأحزاب41-42). وقال تعالى: {وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيراً وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيماً} (الأحزاب 35). وعن عائشة رضي الله عنها قالت: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يذكر الله في كل أحيانه). واعلموا رحمكم الله: أنه لن يعمل أحد لكم بعد موتكم شيئاً من الأعمال من صلاة وصيام وغيرها، فاغتنموا الفرصة مادمتم في زمن الحياة، وهُبّوا إلى الإكثار من ذكر الله تعالى، والتزوّد من الطاعات والقربات قبل الممات، قال النبي صلى الله عليه وسلم: (إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقةٍ جارية أو علمٍ ينتفع به أو ولدٍ صالحٍ يدعو له). - الوقفة الخامسة: احرص على قراءة القرآن كل يوم، خصوصاً في رمضان لأنه شهر القرآن وقد ورد في فضل قراءة القرآن ما تقرُّ به النفوس، وتهنأ به القلوب. فعن ابن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من قرأَ حرفاً من كتاب الله فلهُ بِهِ حسنة، والحسنةُ بعشرة أمثالها، لا أقول (الم) حرف، ولكن ألفٌ حرف، ولامٌ حرف، وميمٌ حرف). وعن أبي أمامة الباهلي رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (إقرؤا القرآن فإنه يأتي يوم القيامة شفيعاً لأصحابه). - الوقفة السادسة: رمضان فرصة عظيمة للدعوة إلى الله تعالى بالقول والفعل: أما القول ففي بيان الحق والدعوة إليه وتوجيه الناس للخير ونصيحتهم، وأما الفعل بأن تكون قدوة صالحة يقتدي بك الناس في أقوالك وأفعالك وصفاتك الطيبة وخصالك الحميدة من خلال اتباع هدي النبي صلى الله عليه وسلم، قال عليه الصلاة والسلام: (فواللهِ لَأَن يهديَ اللهُ بِكَ رجلاً واحداً خيرٌ لَكَ مِنْ حُمْرِ النَّعم). - الوقفة السابعة: احفظ لسانك من الغيبة والنميمة وفاحش القول، واحبسه عن كل ما يُغضب الله عز وجل، وأَلْزِم نفسك الكلام الطيِّب الجميل، وليكن لسانك رطباً بذكر الله. اللهم يا من لا تشتبه عليه اللغات، ولا تختلف عليه الأصوات، ولا يتبرم من إلحاح ذوي الحاجات، اجعل مآلنا إلى الجنات، واجعلنا ممن يصوم رمضان ويقومه إيماناً واحتساباً، اللهم اغفر ذنوبنا، واستر عيوبنا، ويَسِّر أمورنا، وكَفِّر عنا سيئاتنا، واختم بالصالحات أعمالنا، واجعل عملنا مقبولاً، وسعيناً مشكوراً، وذنبنا مغفوراً، وتوفنا وأنت راضٍ عنا، واجعلنا في هذا الشهر من المقبولين، ومن عتقائك من النار يارب العالمين، واغفر اللهم لنا ولوالدينا ولجميع المسلمين، الأحياء منهم والميتين، برحمتك يا أرحم الراحمين. وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. عبدالرحمن بن محمد بن إبراهيم الريس - الإدارة العامة لتطوير الخطط والمناهج بوكالة الجامعة لشؤون المعاهد العلمية بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية [email protected]