محدودية الدور الذي يمكن أن تلعبه منظومة نظام الرهن العقاري في حل أزمة الإسكان المتنامية تعني أننا بحاجة إلى حلول تتعامل مع مسببات هذه الأزمة لتنجح، ويأتي على رأس هذه الأسباب النمو المبالغ فيه في المدن الرئيسية نتيجة الهجرة الداخلية الكثيفة إليها من بقية مدن وقرى المملكة، ما تسبب في ضغط هائل على مختلف الخدمات والبنى التحتية فيها، وفي ارتفاع خيالي في أسعار العقارات والأراضي، بحيث أصبح تأمين سكن مناسب هاجساً مقلقاً لقطاع واسع من سكانها.. فمعدل النمو السكاني في مدينة الرياض، على سبيل المثال، واحد من أعلى المعدلات في العالم بحيث يتجاوز عدد سكانها حالياً 5 ملايين شخص، وهي بهذا أكبر مدينة في العالم لا تقع على بحر أو نهر، ما تسبب في تضخم حجم البنى التحتية والخدمات العامة التي يلزم تنفيذها في مدينة الرياض، ليس لتحسين تلك الخدمات، وإنما فقط للمحافظة على مستواها نسبة إلى عدد سكان المدينة المتنامي بسرعة. وبحسب الإستراتيجية العمرانية الوطنية التي أقرت من مجلس الوزراء في عام 2001، فإنه يتوقع أن يصل عدد سكان المملكة من السعوديين بحلول عام 2020 إلى حوالي 39 مليون نسمة سيقيم معظمهم في المدن الرئيسية، فبعد أن كانت نسبة السعوديين المقيمين في المدن الرئيسية لا تتجاوز 48 في المائة في عام 1974، فإن هذه النسبة كانت في ارتفاع مستمر حيث وصلت الآن إلى ما يزيد على 85%.. ما يعني أن هناك تفريغاً سكانياً خطيراً لمعظم مناطق المملكة، خصوصاً تلك التي لا توجد بها مدن رئيسية، وكذلك الأرياف والمناطق الزراعية والمدن الصغيرة ضمن المناطق التي يوجد بها مدن رئيسية، وهذا التفريغ السكاني هو السبب الرئيس لما نشاهده حالياً من ضغوط متزايدة على البنى التحتية في المدن الرئيسية رغم الاستثمارات الحكومية الضخمة فيها، ما زاد من مشكلة ارتفاع أسعار الأراضي والعقارات فيها بشكل حاد في ظل هذا النمو غير الطبيعي في الطلب على الوحدات السكنية مع استمرار الهجرة الداخلية. وفي ظل عدم تبني إستراتيجية ملزمة لكافة الأجهزة الحكومية تهدف لوضع حد لهذا التركز السكاني في المدن الرئيسة، أصبح هناك قبول رسمي لهذا الزحف السكاني باعتباره أمراً واقعاً لا مناص منه، وأضحى اهتمام مختلف الأجهزة الحكومية منصباً فقط على محاولة حل الإشكالات المترتبة على ذلك وليس حل المشكلة نفسها، بالتالي يتم تخصيص موارد هائلة لتنفيذ مشاريع ضخمة في المدن الرئيسية، الذي بدوره يشجع على مزيد من الهجرة إليها ويسهم في توسيع الهوة بين مستويات المعيشة وفرص العمل المتاحة فيها وبين ما هو متاح في بقية مدن وقرى المملكة.. فلا يكفي مثلاً أن نُنشئ جامعة في منطقة الحدود الشمالية إذا كان خريجو هذه الجامعة لن يجدوا فرص عمل مناسبة هناك وسيضطرون للهجرة إلى المدن الرئيسية بعد تخرجهم، ويجب أن يتزامن فتح الجامعات مع خلق فرص عمل جديدة عالية النوعية في تلك المناطق تشجع أبناء تلك المناطق على الاستقرار فيها وعدم الهجرة منها، بل وتشجع حتى من غادروها اضطراراً إلى العودة إليها، وليس هناك من مبرر، على سبيل المثال، أن تكون كافة أعمال شركة سابك في مدينتي الجبيل وينبع بينما مقرها الرئيس وإدارتها في الرياض، أو أن يُنشأ مصنع أدوية في القصيم بينما إدارة ومقر الشركة في الرياض. [email protected] أكاديمي وكاتب اقتصادي *** on twitter @alsultanam