خطة مقترحة «للتكامل الاقتصادي والتجاري» بين مناطق المملكة المختلفة السعودية بلد مترامي الأطراف يشمل تنوعاً جغرافياً وديموغرافياً وبيئياً مختلفاً كل الاختلاف ، وهذا التباين بين مناطق المملكة جعل من هذه المناطق مناطق تبادلية فالحرف والصناعات تختلف من منطقة إلى أخرى وكذلك الزراعة والمياه والثروات المختلفة .... إن هذا التباين هو في صالح هذه البلاد التي حباها الله بثروات هائلة من الذهب الأسود الذي هو شريان التنمية الأول .... وهذه الصحاري الممتدة والمدن الساحلية التي تحوي موانئ على بحرين مختلفين ، وهذا المطارات الداخلية التي تنتشر عبر ساحات البلاد طولاً وعرضاً ، وهذه الطرق السريعة التي تربط شمال البلاد بجنوبها وشرقها مع غربها مثَّلت أهم عناصر البُنى التحتية وها هي تسير بخطى موفقة في عهد خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز الذي أكد خلال جولاته المختلفة لمناطق المملكة شمالاً وجنوباً أنه ليس هناك تفرقة بين منطقة وأخرى واعترف في صراحة بوجود قصور في التنمية في بعض المناطق والذي فرضته ظروف مختلفة ، الملاحظ أن التنمية تعتمد على الكثافة السكانية فأينما وجدت الكثافة السكانية وجدت التنمية - ولعل هذا يعود إلى نجاح الاستثمارات مع وجود كثافة سكانية ، وقد تركزت التنمية المتكاملة على محور وسط المملكة الممتد من الشرق إلى الغرب (ومن البحر إلى البحر) أي من الدمام مروراً بالرياض وصولاً إلى جدة ولاشك أن هذا المحور يشمل المدن الرئيسية الثلاث في المملكة (جدة - الرياض - الدمام) وهو محور وسط المملكة يصبح لديه قناعة أنه لابد من وجود خطوط نمو أخرى وذلك لعدة أسباب منها :- أ-التكدس السكاني في هذه المدن الثلاث سيصبح عبئاً على الناتج المحلي وخللاً في التوازن الاقتصادي للبلاد بسبب أن الزحام المروري وتكدس الخدمات سيصبح عنصراً طارداً للاستثمار. ب-وجود مقوِّمات رئيسية للنمو السكاني في مناطق أخرى من المملكة (مناطق التعدين ، الزراعة ، السياحة ، الرعي) وهي نشاطات أساسية ومقومات أولية للنمو الاقتصادي المتوازن والمدروس بدلاً من الاتجاه إلى خط تنمية واحد فقط وهو الحاصل حالياً في محور وسط المملكة (عقاري صناعي فقط) ... إن وجود بنية تحتية في مناطق زراعية أو تعدينية أو سياحية سيخلق بلا شك فرصاً أخرى لنمو الناتج المحلي وتطور اقتصاد البلاد ككل. ج-إن شبكة الخطوط الحديدية العملاقة التي بدأت وزارة المالية ووزارة النقل في تنفيذها مؤخراً هي الحل الأمثل والمفتاح السحري الذي سيوجد نوعاً من التوازن بين مناطق المملكة المتنوعة الإمكانات (سياحة - زراعة - تعدين ...) وذلك لأن شبكة القطارات تعتبر شرياناً رئيسياً هاماً إلى جانب الطرق السريعة لنقل البضائع والركاب وبالتالي تشجيع النمو في محاور المختلفة ... ونتج عن ذلك أن هذا المحور استوعب 65٪ من سكان المملكة (مدن الرياض - مكةوجدة - الدمام) وهذا التركَّز مرشح للزيادة ما لم تكن هناك خطط لإيجاد محاور موازية لهذا المحور سواء من الشرق للغرب أو من الشمال للجنوب أي أن الهجرة ستزداد إلى المدن الرئيسية وبالتالي تركز الكثافة السكانية بها مما ينتج عن ذلك زيادة في عدد السكان بهذه المدن وزيادة الزحام المروري وزيادة أعباء الخدمات ، وكذلك التلوث. إن (التنمية المتوازنة) = خطط مدروسة. إن وضع خطط تنموية مدروسة سوف يعود حتماً تعني دراسة مختلف المجالات ( بيئية ، تجارية ، زراعية ، تعليمية ، .....الخ ). ولكن أيهما أولاً هل هو التنمية أم النمو السكاني والعمراني أي أيهما أولاً الدجاجة أم البيضة ، وفي رأيي أن العنصرين هما متبادلان فأينما وجدت تنمية عمرانية وبنية تحتية وجد النمو السكاني ، وأينما وجد نمو سكاني وجدت تنمية عمرانية أي حسب المعادلة التبادلية الآتية : تنمية عمرانية وبنية تحتية نمو سكاني وحضري ، ولكن التخطيط السليم والمدروس هو أن تكون التنمية العمرانية والبنية التحتية أولاً ، ولعل الاتجاه الأخير خلال زيارات خادم الحرمين الشريفين والإعلان عن مشاريع الجامعات والمدن الاقتصادية ، والمشاريع الإسكانية والمطارات هي خطوة في أن تكون التنمية بخطى مدروسة والذي لاحظ التكدُّس العمراني والسكاني والمروري للمحور المذكور يصبح لديه قناعة تامة بضرورة وجود خطوط نمو أخرى ، والملاحظ هو عدم وجود مبرر اقتصادي لهذا التكدس على هذا الخط بالذات ، أعني بذلك وجود موارد مياه مثلاً أو موارد زراعية أو سياحية .... أو غير ذلك ، وقد يعود السبب لنشوء مدن صناعية كالجبيل وينبع .... ووجود الوزارات والشركات الكبرى وهذه يمكن وجودها بالتخطيط البشري لمناطق أخرى أي أنها ليست من طبيعة المنطقة ، فلو نظرنا مثلاً إلى خط النمو المزدحم على نهر النيل في جمهورية مصر العربية لعرفنا أن السبب في ذلك هو وجود نهر النيل الذي هو شريان الحياة الزراعية والاقتصادية ، ولكن لا يوجد ذلك في هذا الخط. الجدول التالي يوضح نسبة السكان في كل منطقة من مناطق المملكة إلى العدد الإجمالي للسكان وهذه النسب تبين ضرورة إيجاد توازن نوعي بين السكان في مناطق المملكة ، وموضحةً أيضاً برسم بياني أن التوزيع السكاني في هذه المناطق يبين ضرورة وجود سياسات عمرانية واقتصادية وتجارية وزراعية لجذب النمو السكاني من المناطق الأكثر ازدحاماً ، أو على أقل تقدير إيقاف الهجرة إلى المدن الرئيسية وإبقائها على نمو الحالي أي إيقاف نسبة النمو السكاني عند حد معين في المدن الرئيسية الثلاث (جدة - الرياض - الدمام) وخلق فرص ومناطق اقتصادية واستثمارية في المناطق الأخرى حسب تنوعها الاقتصادي وموقعها التجاري (نمو زراعي ، نمو تعليمي ، نمو تعديني ، نمو سياحي ......الخ). واعتقد أن خير من يتولى هذا الدور هو (إمارات المناطق) نفسها من خلال تفعيل الدور التنموي لإمارات المناطق في ظل عدم وجود دور تنموي فاعل أو مدروس للجهات التنفيذية. ولاشك أن خير من يتولى الدور التنموي للمنطقة هو إمارة المنطقة نفسها في ظل عدم وجود رابط بين الجهات التنفيذية المختلفة ، واقترح أن يكون ذلك من خلال الآلية الآتية :- أ- أن تقوم (إمارة كل منطقة) بتشكيل فريق متكامل من الجهات التنفيذية (وزارة الشؤون البلدية والقروية ، وزارة الزراعة ، وزارة النقل ، وزارة الصحة ، وزارة التعليم ، وزارة التعليم العالي ، ووزارة المياه والكهرباء). ويقوم هذا الفريق الذي يشترك فيه مندوب من كل وزارة مع ممثلي الوزارة في المناطق بمشاركة وزارة التخطيط التي سيكون لها دور أساسي من خلال الخطط التنموية والإحصاءات السكانية التي تم وضعها بدراسة ما يلي :- فرص النمو السكاني والعمراني المستقبلي للمنطقة من خلال التوجيهات الحالية للمنطقة وزيادة النمو السكاني لها واستطلاع آراء المستثمرين وسكان المنطقة أنفسهم. دراسة الوضع الحالي للمنطقة وحاجتها من مشاريع البنية التحتية (طرق ، وسكك حديد ، مستشفيات ، مدارس ، كليات للتعليم العالي ، تنمية عمرانية ، تشجيع للنمو الزراعي ، توسعة للمطارات ......) ، وتقدير ميزانيات وتكاليف مشاريع البينة التحتية الأساسية الحالية لكل منطقة على حده. ب-تقوم إمارة المنطقة من خلال هذا الفريق برفع ما تم دراسته وتحديده في ( أ ) إلى (هيئة تنمية عليا) يكون مقرها في وزارة التخطيط أو وزارة المالية لتقدير التكاليف التي تحتاجها كل منطقة وتوزيع تكاليف إنشاء هذه المشاريع على عدد من السنوات بحيث يتم تغطية مشاريع البنية التحتية في كل مناطق المملكة من خلال الميزانيات السنوية تغطية كاملة فالميزانية الحكومية هي الأساس ولا قيام لأي مشاريع استثمارية بدونها. ج- قيام كل من الهيئة العامة للاستثمار والهيئة العليا للسياحة بدراسة الفرص الاستثمارية والسياحية في كل منطقة واتخاذ خطوات تشجيعية جادة للمستثمرين في هذه المناطق مثل منح الأرض مجاناً للمستثمر وإخراج تراخيص الاستثمار بزمن قياسي سريع. د-لابد من إعادة النظر في التوزيع ( الديموغرافي للخدمات ) في بعض المدن وخاصة العاصمة الرياض فالتكدس السكاني في هذه المدينة وتركز المصالح الرئيسية فيها سبب زحاماً مرورياً هائلاً وضغطاً كبيراً على الخدمات ... لا يمكن حلُّه من خلال ( المترو ) أو النقل بالباصات ... بل لابد من إعادة النظر في بعض مواقع المصالح الحكومية الكبرى مثل :- المؤسسة العامة لتحلية المياه المالحة : هذه المؤسسات نشأت في الرياض قبل ازدهار المنطقة الشرقية وحين كانت المواصلات صعبة جداً ( قبل نشوء الطريق السريع ) ومطار الملك فهد وقبل الثورة المعلوماتية في مجال الاتصالات ووجودها في المنطقة الشرقية أجدى كثيراً في عمليات ( الهندسة الإدارية ) ، حيث أن ( المياه المالحة ) ومحطات التحلية على الخليج العربي والبحر الأحمر. المؤسسة العامة للموانئ : يجب أن يكون مقرها إما في ينبع أو الخبر ، أو أي مدينة ساحلية أخرى. الهيئة الملكية للجبيل وينبع : والتي هي هيئة تختص بكل من مدينتي الجبيل وينبع الصناعيتين ، ويقعان خارج مدينة الرياض. بعض الشركات الكبرى مثل سابك التي هي شركة صناعية تعتمد على البترول ومشتقاته في الدرجة الأولى. بل إنه يمكن إعادة النظر في مواقع بعض وكالات الوزارات الكبرى مثل وكالة وزارة الزراعة للأبحاث والتنمية الزراعية التي تحتاج إلى مساحات زراعية للأبحاث فكأن يكون موقعها في القصيم مثلاً ، مع بقاء الوزارة الأم ومكتب الوزير في العاصمة الإدارية الرياض. إن توزيع المهام الإدارية لكثير من الوزارات الخدمية التي تحتاج إلى مساحات كبيرة وأراضي واسعة يمكن أن يخفف الضغط على العاصمة الإدارية الرياض ، ويعطي المناطق الأخرى ميزة تنموية في فرص عمل لأهل هذه المناطق ، ويمكن أن يكون مجالاً للمزيد من العطاء والإبداع ، فكون أجهزة الوزارة الرئيسية متواجدة في مبنى واحد في العاصمة الإدارية قد يبعد كثيرا من الكفاءات في أرجاء الوطن عن العطاء وتوزيع هذه الأقسام على المناطق في كل منطقة حسب طبيعتها الديموغرافية والاقتصادية سيعود بلاشك على الوطن بمناطقه المختلفة بفائدة جُلىَّ. ه-لبلادنا ميزة ( ديموغرافية ) واقتصادية هامة جداً وذلك لأن مساحتها تشبه القارة وتشمل تضاريسها الجبال والوديان والسهول والهضاب والصحاري الممتدة ، وهي الامتداد الجغرافي والتنوُّع التضاريسي يمكن أن يكون أحد عوامل التبادل الاقتصادي والتجاري بين المناطق نفسها ، ومنا هنا فإنني أنادي ب (التكامل الاقتصادي السعودي) بين مناطق المملكة أولاً وزيادة حجم التبادل التجاري بينها من خلال التركيز على (الميزة النسبية) لكل منطقة ولنأخذ مثالاً على ذلك منطقة الجوف التي تشتهر بوفرة مياهها وجودة محاصيلها الزراعية فمن خلال وزارة الزراعة ووزارة التخطيط يتم التركيز على تحويل منطقة الجوف إلى سلة غذائية تغذي مناطق المملكة المختلفة بالفواكه الشتوية والزيتون ، ويمكن أن يشمل ذلك منطقة تبوك وذلك من خلال خطة يتم خلالها دراسة إمكانية التوسع الزراعي لهذه الغلاَّت ودراسة مخزونات المياه الجوفية وغيرها من العوامل كالطرق الموصلَّة لها مع المناطق الأخرى وأساليب التسويق. ولنأخذ مثالاً آخر على ذلك : منطقة جازان التي تشتهر بالمانجو والأسماك وزارعة المانجو في هذه المنطقة لتسويق إنتاجها إلى مناطق المملكة الأخرى. ولنأخذ مثالاً آخر : منطقة القصيم التي تشتهر بإنتاج (التمور) يتم وضع خطة مشتركة بين وزارة الزراعة وصندوق التنمية الزراعية ووزارة التخطيط لتشجيع إنتاج التمور وتسويقها من خلال هذه المنطقة ، ولا يتأتى ذلك إلا من خلال جهة مشتركة مع مختلف الجهات ذات العلاقة كوزارة العمل التي تهتم بتوفير الأيدي العاملة من (النخَّالين) لجميع من يطلبها من مؤسسات العناية بالنخيل في هذه المنطقة ، ومن ثم يتم وضع خطة تسويق بالاشتراك مع الخطوط السعودية وشركات الشحن وغيرها لتسويق التمور إلى مختلف مناطق المملكة. وبالطبع لا يمكن نجاح (خطة التكامل الاقتصادي) بين مناطق المملكة إلا من خلال شبكة قطارات حديثة وسريعة ولحسن الحظ فالعمل قائم على إنشاء العمود الفقري لهذه الشبكة ، كما يجب تطوير المطارات الداخلية وتأسيس شركات للشحن الجوي بين المناطق ، والاهتمام بشبكة الطرق البرية ذات الطرق المفردة والمتعرجة والعمل على تكامل هذه الخطة مع خطة وزارة النقل لتطوير شبكة الطرق ووسائل النقل. و-تقوم وزارة التخطيط بإجراء موازنات شاملة (خطة شاملة) لتنمية المناطق بناءً على ما ورد إليها من إمارات المملكة (13 إمارة) وتقوم بإعادة تقييم هذه الاحتياجات من منظور (وطني شامل) ، فكل منطقة تدرس احتياجاتها من واقع نظرة المنطقة إلى نفسها ، ومن ثم يتم إجراء الموازنة بين هذه الاحتياجات والربط بينها من خلال فريق متمكن ومتفرِّغ من وزارة التخطيط يقوم بدراسة هذه الاحتياجات والقيام بزيارات ميدانية للمناطق للربط بين كل منطقة وأخرى فلنفترض أن منطقة ما اقترحت وجود جامعة ، بينما هناك جامعة أخرى قريبة منها في المنطقة المجاورة لها فيتم زيادة طاقة الجامعة في المنطقة الأخرى لخدمة هذه المنطقة. ولنفترض أن منطقة ما اقترحت وجود مطار في مكان معين فتقوم وزارة التخطيط بدراسة مواقع المطارات في المناطق المجاورة وتغيير موقع المطار إذا كان قريباً من المطار الآخر في المنطقة المجاورة وهكذا ... إن توازن التنمية بين مناطق المملكة المختلفة سيتيح لنا تبادلاً اقتصادياً داخلياً بين هذه المناطق فمنطقة القصيم تمد الشمال بالتمور والشمال يمد منطقة القصيموالرياض بالفواكه والزيتون ، ومنطقة الجنوب منطقة سياحية صيفية والرياضوالقصيم منطقة سياحة ربيعية ، والمنطقة الشرقية تمد مناطق المملكة بالبترول والصناعات ، وهكذا ، وذلك سيوفر آلاف الوظائف وفرص العمل وبالتالي الرخاء الاقتصادي ، مما يكوِّن لدينا بلداً متوازناً اقتصادياً ذا بنية اقتصادية داخلية متماسكة ومثالية.