صدر مؤخراً كتاب (الرفض والقبول: سيرة تعامل المجتمع السعودي مع تقنيات الاتصال من البرقية إلى الانترنت) لصاحب السمو الأمير محمد بن سعود بن خالد وكيل وزارة الخارجية لشؤون تقنية المعلومات. قدم للكتاب معالي وزير الثقافة والإعلام د. عبدالعزيز خوجة في كلمة ضافية قال فيها: كانت سعادتي غامرة وأنا أقلب بين يدي صفحات هذا الكتاب القيم الذي يتناول موضوعاً طالما احتل حيزاً واسعاً في حوارات الباحثين، والمثقفين، والمواطنين في المجتمع السعودي في العقود القليلة الماضية؛ وذلك من خلال عرض إشكالية دخول مستحدثات تكنولوجيا الاتصال إلى المجتمع السعودي منذ بداية مسيرة توحيد المملكة التي قادها جلالة الملك عبدالعزيز - تغمده الله بواسع رحمته - مروراً بالمراحل التي أعقبت توحيد المملكة وصولاً إلى وقتنا هذا، الذي عمت فيه وسائل الإعلام والاتصال ووسائل الإعلام الجديد كافة أنحاء المملكة. لقد كان التوفيق حليف الكاتب في تقديمه تحليلاً لإشكالية تتركز معظم جوانبها في حتمية دخول مستجدات العصر الاتصالية إلى بلد حديث النشأة ووسط مجتمع تقليدي كان حتى وقت قريب شبه منعزل عن العالم، بحكم بيئته الجغرافية وفي وقت كانت الأمية متفشية في معظم أرجائه. وتقع تلك الإشكالية في الفجوة بين عقلية كانت تدرك فيما مضى أهمية تلك المستجدات والأخذ بها في بناء الدولة وربط أرجائها وتطوير شؤون إدارتها بالاستعانة بوسائل الاتصال وأدواته - البرق والبريد والهاتف -، وبين عقلية متوجسة وحذرة من تلك الوسائل، لا لأسباب يؤيدها الدين والعقل، بل لأسباب ذهنية ونفسية يمكن أن تعزى إلى الخوف من مستجدات كان القبول بها دون جدال أو تردد نوعاً من القبول بالمجهول كما هو. ولذلك، فقد كانت مهمة الملك عبدالعزيز في الإقناع وإزالة الشكوك والمخاوف من نفوس البعض بالغة الحساسية والدقة واعتمدت على الصبر، وسعة الصدر، والحوار والربط في بعض الأحيان بين ما تتيحه تلك المستجدات من إمكانيات وخدمة الدين والعقيدة. تناول المؤلف أيضاً بشيء من التفصيل وسائل الاتصال ومستجداته التي دخلت المجتمع السعودي حسب أقدمية كل منها، وجعل من ضمنها المسرح والسينما، إضافة إلى ما أسماه بوسائل الاتصال الفردية - الهاتف، والهاتف السيار والبيجر والجوال، كما أنه لم يغفل وسائل الإعلام الجديد التي أثبتت قدرتها على التأثير والتغيير في السلوكيات والأنظمة. ورغبة في ربط الموضوعات ببعضها، وحرصا على إضافة أسلوب الطرح والنقاش، وعرض أكثر من رأي جاء تخصيص الجزء الرابع من الكتاب للحديث عن نتائج حلقة النقاش التي عقدت حول موضوع: «تقنية الاتصال الحديثة بين القبول والرفض المملكة العربية السعودية نموذجاً». وقد أورد المؤلف تلخيصاً حرفياً لبعض ما دار في هذه الحلقة تأكيداً لمبدأ الشفافية وعرض الآراء بتجرد بعيداً عن أي تداخلات. وتسهيلاً لمهمة الباحث والراغب في تفاصيل أخرى ذات علاقة بموضوع الكتاب حرص المؤلف على أن يضع في آخر الكتاب نصوص عدد من الأنظمة الحكومية المتعلقة بالإعلام والاتصال. وبوجه عام، كان تناول المؤلف لموضوع الكتاب منطقي التدرج، بدءاً من التقديم بإطار نظري موجز في الجزء الأول لبعض جوانب العلاقة بين الدين والعلم ومنتجاته، ثم بالتطرق لآراء بعض أبرزها العلماء المسلمين والباحثين في مقاصد الإسلام وفلسفته في التعامل مع المستجدات والمستحدثات العلمية التي تدخل حياة الناس ويتبناها أفراد كل مجتمع تقريباً، بما في ذلك المجتمع السعودي. أخيراً، يمكن القول بأن هذا الكتاب جاء ليقدم إضافة جديدة في التوثيق والإيضاح لتقنيات الاتصال في المملكة العربية السعودية، وكيف تعاملت معها الجهات ذات العلاقة ومدى تقبل أفراد المجتمع لها أو تخوفهم منها. مثل هذا الكتاب سيكون عوناً لرجل الإعلام، والمؤرخ والباحث الاجتماعي، إضافة إلى ما فيه من إضاءات يمكن للمهتمين بالتقنية والاتصالات الاستفادة منها. مقدمة المؤلف وقدم المؤلف نبذة مختصرة عن الكتاب أو ما يعرف تحديداً بمقدمة الكتاب اشتملت على استعراض سريع لمادة الكتاب قال فيها: بسم الله الرحمن الرحيم، رحمن يفرط في الرحمة ويسخر لها كل الوسائل لتصل إلى خير خلقه وأكمله، الإنسان، فترفع عنه المعاناة والتعب وقد جعل سبحانه وتعالى العقل الإنساني أهم أدوات تلك الرحمة بمقدرته التي ليس لها حد جعل الخالق عز وجل من ذلك العقل جانباً يشعل قدرة الخيال والتصور ويمدهما بأجنحة للتحليق في ممالك بلا حدود ولا وجود، وجانباً يحفز الإرادة على قدرة ترجمة الأحلام وصور الخيال إلى حقائق ماثلة الوجود ومالكة لفعالية الأداء كذا خلق الله عز وجل للإنسان قدمين يسعى بهما في الأرض، ثم دل عقله عبر محكم كلماته إلى الاستفادة من الدواب ليرفع عنه مشقة السفر، ووجه خياله إلى التحليق في الفضاء فكانت الطائرة والصاروخ. ولقد ارتبطت المنتجات (الفكرية والمادية) التي هي قوة العقل بالابتكار والاختراع، للتعبير عن كل ما هو مستحدث أو جديد يقدم آلة أو فكرة لتغيير ما اعتاد الناس عليه. هذه الفعالية على الاختراع والابتكار أدخلها علماؤنا إلى لغتنا ضمن تصنيف العلوم، ومنحوها اسم (التكنولوجيا)، ووضعوها في المقابل النقيض للعلوم الإنسانية التي تضم فيما تضم كل الفنون، وفي تقريب أكثر من لغتنا أسميناها (التقنية) التي ارتبط في أذهان العامة بمعنى الصناعة والآلة بعيداً عن (الفن) والقيم الاجتماعية والاقتصادية. هذا الفهم لمصطلح (التكنولوجيا Techno Logia)، أسهم في اختلاط الأمور فالأساس في هذا المصطلح (تكنولوجي) كلمتان يونانيتان، الثانية لاحقة دخلت على معظم المصطلحات وهي (لوجيا glogia) بمعنى علم أو لغة مثل الجيو -لوجيا، علم الأرض والفيلو - لوجيا فقه اللغة وغيرهما، والأولى الأهم هي (تكنو) من الكلمة اليونانية (تخني) وتنطق في اللغات الأوروبية (تقني Techno) بمعنى الصناعة والفن، أي أن التكنولوجيا هي ترجمة حرفية قد تعني (علم الفن) أو (لغة الفن) وكلاهما بعيد عن منطقة العلوم البحتة التي أدخل علماؤنا إليها التقنية أو التكنولوجيا ومخرجاتها. هنا فارق واضح بين أن نستخدم منجزاً ونستوعبه بأرقام ونسب ومعادلات محضة، وبين أن نتعامل معه حلماً وخيالاً وإبداعاً وتمثلاً لقدرة الخالق عز وجل على جلاء عقولنا، في الحالة الأولى نحن نتعامل مع علم الفن، وفي الثانية مع فن العلم!. ولقد اعتبرت تقنيات الاتصال أحد أهم المنتجات -الابتكارات أو المخترعات- التي أفرزتها قوة عقل الإنسان وغيرت بشكل واضح أساليب الاتصال بين البشر، لذلك لم يكن من المتوقع أن يتم قبولها في المجتمعات البشرية بسهولة. وأنتقل هنا مباشرة إلى مادة الكتاب. إن كنت ما تزال على فكرتك عن التقنية بأنها تعني الآلة فقط فقد لا تجد فيه إلا تعديداً لمختلف آلات الاتصال في المملكة في تسلسل تاريخي والتي (استوردت) بقصد الاستهلاك لبعض الأدوات من منتجات الصناعة الغربية. وإن استطعت أن تنظر إلى الأمر باعتباره فناً أمكنك أن تتخيل أبناء هذا الوطن يحلمون، ويطلقون العنان لخيال نشط فعال، ويمسكون بالأسرار، ويفكون طلاسمها، ويضيفون إليها روحاً جديدة تمنحها الهوية السعودية، أو يبتكرون لها بديلاً أشد روعة وأروع أداء، ولعلني أذكر أول ظهور للحاسب الآلي منذ ثلاثين عاما مضت: كيف كانت برامجه تشبه تعاويذ السحر بإبهارها، ولم تمض إلا عدة شهور، حتى رأينا المخيلة السعودية تنتج برامج عربية خالصة جعلت تلك الآلة تتكلم بحروف عربية بدأ الأمر لمن يذكر كجهاز كامل يتعامل مع لغتنا العربية؛ فجهاز صخر المقارب للرائد، وتم هذا كله قبل أن يصل الذين صمموا الحاسب في أوروبا وأمريكا إلى وسيلة لتغيير حروفه اللاتينية. لا يختلف أمر الشاب السعودي هنا عن فنان شهير هو ليوناردو دافنشي، رسام، ولكن قاده خياله إلى رسم الغواصة والباراشوت والجنين في بطن الأم قبل أن يصل العلم إلى شيء من هذا، وتبين أن كل صوره المستجلبة من الخيال كأنما انتزعت من واقع قبل أن يجيء. وما أريد أن أصل إليه هنا إن كان ما يزال غير واضح، هو أن أنصحك وأنت تمضي مع صفحات هذا الكتاب، أن تتأمل كيف أن كل جهة في المملكة قد تعاملت مع المعطيات كمنهج (لفن التكنولوجيا) وليس كمخرجات لنشاط علمي يؤخذ بشكل مسلم به، الحالة الأخيرة تجعل صاحبها مجرد (مستهلك) لأدوات حضارية، والحالة الأولى تعني أننا نرقب إنساناً مبدعاً، يؤمن بإرادة الخالق عز وجل وتسخيره للمنجز الإنساني في أي مكان لمن يمتلك مع الإيمان قدرة الخيال والتحليق إلى جدارته بأن يكون خير خلق الله. أنصحك ألا تمضي من مكان إلى مكان كسرد تاريخي وإنما أن تتوقف لحظة مع كل مكان وتتمثل كيف كانت تعمل العقول فيه بشقيها، الحالم بالأفضل والمترجم إلى الواقع المعاش بجميع أبعاده الدينية والاجتماعية والاقتصادية، ففي هذا إنصاف لأجيال سعودية تضع أقدامها بوثوق على الحاضر، وتمد البصر إلى القادم بإيمان وثقة، قادم يسجل في كل خطوة على صفحة التاريخ توقيعاً سعودياً بالظفر والنجاح، فهذا مسار رسمه لهم الأولون ويسهر على حراسته قادة مخلصون. نقاشات حول تقنية الاتصال احتوى الكتاب على خمسة أجزاء بالإضافة إلى المراجع والملاحق، ففي حين تعرض الجزء الأول إلى موضوع المجتمعات ومستحدثات تقنيات الاتصالات مشتملاً على عدة محاور هي: - قبول المجتمعات لمستحدثات تقنية الاتصال. - الثقافة والدين والمستحدثات التقنية. - المجتمع السعودي: حالة التغير والتغيير. وتطرق الكتاب في الجزء الثاني إلى موضوع تجربة المملكة مع تقنيات الاتصال الحديثة، واشتمل هذا الجزء على عدة محاور: - اللاسلكي والهاتف. - السينما. - المسرح. - الإذاعة. - التلفزيون. - الفيديو. - القنوات التلفزيونية الفضائية. واشتمل الجزء الثالث من الكتاب الذي حوى موضوعه الرئيسي وسائل الاتصال الحديثة الآتي: - تقنيات الاتصال الفردية الحديثة. - الهاتف الثابت. - الهاتف السيار. - النداء الآلي اللاسلكي (البيجر). - الهاتف الجوال. - وسائل الاتصال والإعلام الجديد. - الإعلام الجديد. - الانترنت في المملكة. - أجيال الهاتف الجوال. - خدمات التواصل الفردي. - شبكات التواصل الاجتماعي. أما الجزء الرابع من الكتاب فقد كان عرضا لحلقة نقاش: تقنية الاتصال الحديثة بين القبول والمقاومة في المملكة العربية السعودية نموذجاً. بالإضافة إلى أن الجزء الخامس من الكتاب كان توثيقاً لحلقة النقاش وما دار بها من مداخلات. وضم الكتاب ملاحق تضمنت: - نظام الإذاعة الأساسي. - نظام الاتصالات. - نظام هيئة الاتصالات. - نظام مكافحة الجرائم المعلوماتية. - اللائحة التنفيذية لنظام النشر الالكتروني. - نظام التعاملات الالكترونية. خاتمة ثم قدم المؤلف خاتمة شاملة لمحتوى الكتاب والخلاصة الرئيسية لأجزاء الكتاب قال فيها: انطلقت فكرة إعداد هذا الكتاب بهدف رواية تجربة المجتمع السعودي مع تقنيات الاتصال الحديثة. فالمملكة العربية السعودية كدولة تمثل تجربة سياسية واقتصادية وتنموية فريدة في تاريخ الشعوب. فبعد أن انتهى الملك عبد العزيز من توحيد جغرافية المملكة وجه اهتماماته للتنمية الشاملة لجميع أوجه حياة المجتمع السعودي بأسلوب يجمع بين المحافظة على الأصالة، لكن في الوقت نفسه يتعامل مع معطيات الحياة المعاصرة. انفتح على العالم من خلال أبناء المملكة من المناطق التي سبقت في تجربتها الحضرية بقية المناطق، وبواسطة مستشاريه متعددي الثقافات من الدول الأخرى لم ينغلق فقد كان قائداً تنموياً بنفس القدر الذي كان فيه قائداً ميدانياً وسياسياً. إن في تجارب بعض الدول التنموية، كان يحصل العكس المجتمع يضغط على الحكومة، ثم تستجيب الحكومة، لكن في تجربة المملكة كانت القيادة هي التي تقود التنمية تواجه المعارضين بالحكمة، والجدل الحسن والحزم إذا تطلب الأمر ذلك، لكي تخلق التوافق بين معطيات العصر وتحافظ على الموروث الوطني. لم يكن الهدف من الكتاب هو محاكمة ثقافة المجتمع السعودي ومكوناته المتعددة، فمقاومة التغيير هي ناموس الثقافات عند جميع شعوب العالم، وإنما تعريف الأجيال المعاصرة كيف تعامل المجتمع السعودي في جانب من جوانب التنمية المتعددة التي خاضها، ومنها تقنيات الاتصال الحديث. إن تجربة المجتمعات البشرية مع تقنيات الاتصال قديمة، لدرجة أن الكثير من مؤرخي التطورات البشرية قاسوها بتقنيات الاتصال، وسمي بعضها ثورة مثل مطبعة جوتنبرج وما أحدثته من تغيير في النشر المعرفي، والاتصالات السلكية واللاسلكية، ومؤخراً ثورة تقنيات الاتصال الحديثة. إن ما أطلق من نبوءات في ستينيات وسبعينيات القرن الميلادي المنصرم من التحولات التي ستحدثها تقنيات الاتصال الحديث التي انطلق بالربط بين تقنيات الحاسب الآلي الرقمية مع شبكات الاتصال، أصبحت حقيقة الآن، وهي بهذا الواقع تشكل انطلاقة المجتمعات البشرية لعوالم أخرى لا يعلم إلا الله كيف سيكون عليه الواقع مستقبلاً، فهي سريعة ومتتابعة. إن رحلة المجتمع السعودي من الشنطة (البرقية) إلى الإنترنت مرت بالعديد من الوقفات والصراع والجدل الاجتماعي، وكاد المجتمع السعودي يخسر لولا تدخل الحكومة في الوقت المناسب لمعالجة الأمر. لقد أثبتت التجربة السعودية أن تقنيات الاتصال مثلها مثل بقية التقنيات هي في الأصل محايدة، وما ينتج عنها من ضرر هو بسبب سوء الاستخدام، ومعالجة مثل هذه الأمور لا يكون بالمنع وإنما بالتنظيمات المناسبة والوعي المجتمعي والنشر الثقافي المسبق لماهية هذه التقنيات وأثرها على تقدم المجتمعات، وهذا ما راهن عليه المجتمع السعودي ونجح فيه.