لعل من تابع ردود الأفعال على الانتخابات المصرية هنا يلحظ أن أحبتنا كانوا بعيدين كل البعد عن دهاليز السياسة وأحابيلها، فقد أخذتهم العاطفة والأمنيات بعيداً، ولذا لم يكن غريبا أن نقرأ ما لا يخطر على بال، فأحدهم يتحدث عن عودة الخلافة الإسلامية، والآخر يعير التيار الليبرالي بهزيمته، وثالث ما برح يرسل النصائح تترى إلى الرئيس مرسي يخبره بما يجوز وما لا يجوز فعله، عطفا على تأويلات علماء السلف، الذين قالوا كلمتهم ومضوا منذ قرون، وربما لو كان أولئك السلف بين ظهرانينا اليوم لأصبحوا أكثر مرونة من صاحبنا، عطفا على الحقيقة القاطعة التي تقول إنهم كانوا «براقماتيين ومسيسين» في عصرهم، ما يعني أنهم لم يكونوا دوما على نهج سلفهم، بقدر ما كانوا يتعاملون مع الواقع المعاش!. نعم، نحن مع الحراك الديمقراطي، وهللنا لمتابعة أول انتخابات عربية، ولكن لا يجب أن يعمينا ذلك عن»يد القوى الخفية»، والتي كانت حاضرة هناك منذ بداية الثورة المصرية، فلا يمكن أن يقنعنا أيا كان بأن التغطية الإعلامية الموسعة لثورة مصر، والتي ساهمت بشكل كبير في تنحي، أو تنحية مبارك كانت عفوية، كما لا يمكن أن يقنعنا أحد بأن تلك التغطية الإعلامية كانت خارج سيطرة « القوى الخفية»، فلم نعهد إعلاماً عربياً حراً يعمل حسب ما تمليه إرادة الشعوب، ولعلنا لا زلنا نذكر أن إحدى الفضائيات تلقت تهديداً بالقصف أيام ضرب العراق في 2003، عندما خرجت عن النص قليلاً، ولذا يجب على المتحمسين لوصول الإخوان للحكم أن يكونوا واقعيين في تعاطيهم مع الأمر، وأن لا تعميهم الفرحة عن رؤية الحقائق الصارخة. هناك قوى أجنبية ساهمت بالثورة من خلال مؤسسات المجتمع المدني، ولعلكم تذكرون أن «الإخوان» ساهموا في تهريب بعض الشخصيات الغربية -الأمريكية تحديداً- خارج مصر بعد نجاح الثورة، وهو الأمر الذي أثار ضجة كبيرة حينها، كما لا يجب أن نغفل عن العلاقات الوثيقة التي ربطت السيد خيرت الشاطر وغيره من رموز الإخوان بأمريكا قبل قيام الثورة بوقت طويل، وهو ما ساهم في اختياره ضمن أبرز الشخصيات الأكثر تأثيرا على مستوى العالم لعام 2011، من قبل أعتى المجلات اليمينية الأمريكية، وهي مجلة فورين بولسي!، التي أسسها صامويل هانتقتون، صاحب صراع الحضارات. وأختم بالقول إنني سعيد بالحراك الديمقراطي، وليس لدي مشكلة في وصول « الإخوان» إلى الحكم، ولكنني ضد أن يحاول أحد إيهامنا بأن وصولهم كان بإرادة شعبية محضة، وأنهم بالتالي سوف يحكمون بالشريعة، ويعيدوننا لزمن «الخلافة»!، فوصولهم كان برضا غربي تام، وباشتراطات مسبقة كما تشير إلى ذلك كل التقارير الموثقة. فاصلة: «الذين يعتقدون أنهم أذكى من أن يدخلوا معترك السياسة يتم عقابهم بأن يحكمهم الأغبياء».. بلاتو [email protected] تويتر @alfarraj2