لم يعد الاقتصاد الإيراني يتحمل العقوبات الغربية المفروضة عليه؛ الانخفاض الحاد في التدفقات المالية بسبب الحظر النفطي أدى إلى ظهور عوار الاقتصاد الإيراني الذي حاولت الحكومة إخفاءه لسنوات. لم تعد الحكومة قادرة على توفير السلع الأساسية، في الوقت الذي بدأ فيه التجار في التحايل لإخراج الكم الأكبر من أرصدتهم إلى الخارج. تركيا وبعض دول الخليج باتت توفر الملاذ الآمن للأرصدة الإيرانية المهاجرة تحت غطاء الاستيراد. التجار أنفسهم باتوا يتعاملون بالذهب بدلا من الريال (التومان) الإيراني الذي يواجه ضغوطا كبيرة في سوق الصرف. الحكومة الإيرانية أقرت أخيرا بالضرر الكبير الذي أحدثته العقوبات الغربية من خلال تنظيم صرف العملة الوطنية؛ حيث من المتوقع أن تبدأ السلطات النقدية في تطبيق نظاما للصرف الأجنبي على ثلاث مستويات لتغطية تكلفة الواردات. جريدة «الشرق الأوسط» التي أوردت الخبر أشارت إلى أن الحكومة «ستوفر الدولارات بالسعر الرسمي لاستيراد السلع الأساسية؛ وبسعر 15 ألف ريال مقابل الدولار للسلع الرأسمالية والوسيطة؛ أما السلع الاستهلاكية مثل السيارات فسيتم استيرادها باستخدام دولارات تشترى بسعر السوق الحرة». عندما تبدأ الحكومة في تقنين سعر صرف العملة، ويتعاظم الفارق بين السعر الرسمي وسعر السوق الحرة فذاك مؤشر على نضوب الاحتياطيات النقدية من العملات الصعبة، وعدم قدرة البنك المركزي على ممارسة نشاطه المعتاد في توفير النقد الأجنبي للمستوردين، وتغطية فواتير الحكومة الخارجية، أو المحافظة على سعر الصرف، وتقليص الفارق بين السعر الرسمي وسعر التداول في السوق السوداء؛ حيث يزيد سعر صرف الريال (التومان) في السوق السوداء عن السعر الرسمي، حاليا، بنسبة 55 في المائة، وهي نسبة تعكس حجم الضرر الذي لحق بالاقتصاد الإيراني والعملة الوطنية. العقوبات الغربية تسببت في تجفيف البنك المركزي من العملات الصعبة، وأحدثت ضررا كبيرا بالاقتصاد، ما أنعكس سلبا على الشعب الإيراني الذي يُعتقد أن العقوبات الاقتصادية ستتسبب في ثورته من الداخل!. إخراج إيران من نظام (سويفت ) للتحويلات المالية الدولية جعل أمر التقاص الدولي معها مستحيلا وهذا حرمها من الاستمرار في بيع النفط في السوق السوداء وتحصيل ثمنه؛ وأحسب أن هذا القرار كان السبب الرئيس في تفاقم الأزمة وتعجيل مرحلة الانهيار الاقتصادي. عدم قدرة البنك المركزي على تحصيل العملات الصعبة زاد من أوجاع الاقتصاد الإيراني، وشل حركته، وأدى إلى انهيار العملة المحلية، ومن يدري فربما تجاوز صرف الدولار مستقبلا 23 ألف ريال في السوق السوداء. الحديث يتركز على المدة الزمنية التي يستطيع فيها الاقتصاد الإيراني الصمود أمام نقص الإيرادات، ونفاد الاحتياطيات النقدية، وصعوبة تغطية الواردات. إيران نجحت في توفير تغطية تأمينية لناقلات النفط التي تنقل النفط المهرب إلى تجار محددين يقومون بإعادة بيعه على مصافي عالمية بأسعار زهيدة؛ تلك الأموال لا يمكن بأي حال من الأحوال تغطية احتياجات الدولة، وإن كانت توفر للزعامات الدينية وقادة الحرس الثوري بعض الأموال اللازمة. شح الموارد المالية، ونضوب السلع من الأسواق سيؤدي إلى انفجار إيران من الداخل، وربما يحدث ذلك بالتزامن مع أي ضربة موجهة لمواقع عسكرية أو منشآت نووية. كل الدلائل المحسوسة تشير إلى انهيار الاقتصاد الإيراني، ولولا قبضة الحرس الثوري الحديدية، لثار الشعب وأسقط الحكومة، والنظام بأكمله، وهذا أمر متوقع حدوثه قريبا. أعتقد أن زمن الملالي قد أفل، فالغرب يتعامل مع إيران ودول المنطقة وفق أجندة محددة أشبه ما تكون بالروزنامة المُحدِدَة لسنوات البقاء لكل نظام. بغض النظر عن إستراتيجية الغرب في إيران، فكلمة الشعب ستكون الحاسمة. انهيار الاقتصاد وتفشي الفقر، والبطالة، ونضوب السلع؛ وربما العجز عن دفع الرواتب والأجور مستقبلا سيدفع الشعب الإيراني إلى الثورة على النظام. الاقتصاد بات السيف المسلط على رقاب ملالي إيران؛ وهو مفجرهم من الداخل لا محالة؛ فانهياره يعني نهاية الحكومة، وبداية الاضطراب الداخلي؛ وكل ما أخشاه، أن تتحرك خلايا إيران النائمة في الخليج بأوامر الحرس الثوري وحزب الله حماية لنظام الملالي الذي أوشك على السقوط؛ أو انتقاما لما سيحدث لهم؛ وهو أمر يستوجب أخذ الحيطة والحذر من قبل دول الخليج، وعلى رأسها البحرين و السعودية. [email protected]