القراءة (الموسمية) أو الفصلية واحدة من الأساليب الثقافية التي تمد الإنسان بالمعارف والعلوم, ففي شهر رمضان يزداد التركيز على القراءات الدينية والتاريخية لمناسبتها وأهميتها لهذه الأيام الفضيلة من قراءة القرآن والأحاديث، واسترجاع التاريخ الإسلامي المجيد الذي سطره الأجداد حيث كسروا نطاق الجزيرة العربية ليكتبوا تاريخ العرب بعيدا عن موطنهم الأصلي، كتبوه بفضل من الله ثم بالإسلام عبر عدة أوجه: الفتوح الإسلامية، الغزوات، الدعوة إلى الإسلام، التجارة. كانت تحيط بالعرب المياه من أغلب الجهات: البحر الأحمر يعزلهم عن إفريقيا، وبحر العرب والمحيط الهندي يعزلهم عن القارة الهندية، والخليج العربي يعزلهم عن بلاد فارس وآسيا الوسطى وشرق أسيا, والبحر الأبيض المتوسط يعزلهم عن أوروبا ودول بيزنطة القديمة. تلك العوازل المائية والإمبراطوريات والتحديات الطبيعية والسياسية تجاوزها العرب وأوصلوا الإسلام بفضل الله إلى الصين واندونيسيا وماليزيا وأقصى الهند, وإلى أواسط إفريقيا, وجنوب أوروبا عبر فتوحات عسكرية وسلمية وثقافية ... العودة إلى التاريخ هذه الأيام وتصفح أمهات الكتب والمراجع ينبهك إلى حقائق أخرى وبأن التاريخ الإسلامي المحلي صراع الدول والحكام للسيطرة على سدة الحكم في تاريخ الدولة الأموية والعباسية والسلجوقية وحتى العثمانية لم يكن بحجم وضخامة المذابح التي تحدث حاليا في سوريا من قسوة وجبروت وعنف من قبل بشار الأسد وأعوانه قصف المدن والمدنين بالمدافع والطائرات وجرائم التعذيب والتنكيل وهدر الكرامة, وأيضا ليست بحجم جرائم معمر القذافي في ليبيا من تدمير للإنسان والدولة والكرامة,أو حرب الإبادة في البوسنة وغزة وأفغانستان. الحروب العربية الأخيرة في الربيع العربي، وبخاصة سوريا وليبيا قد تكون أبشع وأكثر شراسة وتدميرا من حقب التاريخ التي كانت لا تملك إلا السيف والرمح والمنجنيق؛ أما حروب اليوم فهي حرب إبادة وتطهير عرقي بغيض وكراهية دينية مزودة بأسلحة فتاكة ومدمرة للبشر والمباني والأحياء والمدن. ما شهدته سوريا وليبيا ولبنان في الحرب الأهلية، وفلسطين في حروبها مع إسرائيل, وحرب احتلال العراق, وتحرير الكويت خلال العشر أو ربع قرن الماضي يعادل جرائم التاريخ العربي على مدى مئات السنين، وبخاصة السنوات الأخيرة؛ حيث القتلى تجاوزوا الملايين والآلات الحربية العسكرية واستخدم جميع المحرمات وأنواع القذائف والصواريخ والحرب العشوائية التي استهدفت بالدرجة الأولى المدنيين. نحتاج إلى مؤرخين وبلدانيين ووراقين ليكتبوا عن تلك المجازر التي كان العرب وقودها وتحولت العواصم إلى (محارق) وأفران كبيرة: غزة وطرابلس ودمشق وبيروت والمدن الأخرى. لذا يمكن القول إن جرائم التاريخ القديم بطول سنواتها أرحم بمراحل من جرائم التاريخ الحديث.