لم تمر تسعة أشهر على سقوط الرئيس الليبي الراحل معمر القذافي الذي حكم ليبيا لمدة 42 عاما ثم تركها دون أي مؤسسات سياسية حقيقية ولا سيادة للقانون ولا أحزاب مستقرة. في ظل هذا التاريخ وفي ظل التوقعات بأن دعم حلف شمال الأطلسي (ناتو) للتمرد الشعبي ضد القذافي سيؤدي إلى تحويل ليبيا إلى صومال جديدة، كان إتمام الانتخابات العامة في ليبيا إنجازاً كبيراً. تقول السلطات الانتخابية إن حوالي 8 مليون ناخب شاركوا في الانتخابات بما يعادل 65% من إجمالي الذين لهم حق التصويت ليختاروا 200 عضوا من بين 3700 مرشحا للمجلس الوطني المؤقت.(الجمعية الوطنية) بالطبع كان هناك بعض المخالفات وحالات العنف ولكن أكثر من 90% من مراكز الاقتراع فتحت أبوابها أمام الناخبين وقال أحد أعضاء فريق المراقبين التابع للاتحاد الأوروبي إن «كل الليبيين تقريباً تمكنوا من الذهاب إلى مراكز الاقتراع بدون خوف ولا إرهاب». كما جاءت النتائج الأولية للانتخابات مشجعة حيث نجح تحالف الوسط بقيادة رئس الوزراء المؤقت محمود جبريل في الفوز بالأغلبية متفوقا على فرع جماعة الإخوان المسلمين في ليبيا وغيرها من الحركات الإسلامية. ينظر إلى محمود جبريل الحاصل على دكتوراه في العلوم السياسية من جامعة بيتسبرج الأمريكية باعتباره سياسي معتدل مؤيد للغرب. ورغم أنه يرفض وصفه بأنه «ليبرالي أو علماني» فإنه يبدو ملتزما بمبادئ الديمقراطية. مؤخرا عرض جبريل تشكيل تحالف مع القوى السياسية الأخرى في البلاد و هو الاقتراح الذي رحب به بعض منافسي جبريل بالفعل. والحقيقة أن المجلس الوطني الذي سيشكل حكومة مؤقتة من المنتظر أن تستمر 18 شهراً بانتظاره تحديات كبرى. فمازالت أجزاء من ليبيا خاضعة لسيطرة مليشيات مسلحة لا تعترف بالسلطة المركزية وكذلك المواجهات المسلحة المتكررة بين العرب وغير العرب في مناطق الجنوب الليبي وكذلك الصراعات الإقليمية التي تهدد عملية كتابة الدستور. وكان يفترض أن يتولى المجلس الوطني كتابة الدستور الليبي ولكن تم تجريده من هذه السلطة قبل أيام قليلة من الانتخابات بسبب اعتراض الإقليم الشرقي من ليبيا وعاصمته مدينة بنغازي. في هذا السياق تبدو مبادرة جبريل إقامة تحالف سياسي واسع فكرة رائعة. في الوقت نفسه فإنه قد لا توجد خلافات أيديولوجية حادة بين القوى السياسية الرئيسية في ليبيا. فهناك ما يشبه الإجماع على أن الشريعة الإسلامية ستكون مصدرا للتشريع ولكنها ليست المصدر الوحيد. وربما تكون التحديات السياسية الأكبر هي مستوى الاتحادية أو الفيدرالية للدولة الجديدة وكذلك التوزيع العادل لعائدات الثروة النفطية على سكان ليبيا البالغ عددهم ستة ملايين نسمة. وسيكون من الأسهل القيام بهذه المهمة إذا نجحت الحكومة الجديدة في فرض سلطتها على كل أنحاء البلاد بما في ذلك تجريد المليشيات المسلحة من أسلحتها أو دمجها في قوات الأمن الرسمية وتحرير السجناء من السجون ومراكز الاحتجاز غير الرسمية. ويمكن أن تساعد الولاياتالمتحدة ودول حلف الناتو في إنجاز هذه المهمة. وقد طلب المسئولون الليبيون أكثر من مرة مساعدة الناتو في تدريب وإعادة تنظيم الجيش وقوات الشرطة. والحقيقة أن تدخل حلف الناتو هو الذي مهد أمام إنجاز انتخابات السبت الماضي في ليبيا. والآن يجب على إدارة الرئيس الأمريكي باراك أوباما وحلفائها الغربيين مساعدة السلطات الجديدة في الوصول إلى هدفها بإقامة ليبيا ديمقراطية. افتتاحية (واشنطن بوست)