المجموعة الأخيرة من العقوبات الاقتصادية الصارمة التي تم فرضها على إيران يمكن أن تكون الاختبار النهائي لقدرة العقوبات الاقتصادية على إجبار إيران على التخلي عن رغبتها في الحصول على أسلحة نووية. نحن نقول: «يمكن أن تكون» لأن هذا الجهد لم يصل إلى مرحلة الاختبار النهائي فعلاً. الكثير من الدول ليست مستعدة بالفعل لكي تجعل من فرض هذه العقوبات أولوية متقدمة. الحقيقة أن إدارة الرئيس الأمريكي باراك أوباما تقيم خططها على أساس ضرب الحيوية الاقتصادية لطهران وهي خطة طموحة. كما أن الاتحاد الأوروبي فرض حظرا على استيراد النفط الإيراني ووفقا لقانون أمريكي جديد فإن البنوك الأجنبية مطالبة بوقف التعامل مع البنك المركزي الإيراني لكي تظل هذه البنوك قادرة على التعامل مع المؤسسات المالية الأمريكية. وقد تراجعت صادرات إيران النفطية إلى 1.5 مليون برميل يوميا مقابل 2.5 مليون برميل يوميا العام الماضي. وقال ديفيد كوهين المسئول في وزارة الخزانة الأمريكية لصحيفة فاينانشال تايمز «نحن نستهدف بشكل مباشر الإيرادات الإيرانية وزيادة الصعوبات التي تواجه إيران في الحصول على الإيرادات». ولكن اتضح أن الأمر أقل صعوبة مما يعتقد. فليس هناك إجماع على ضرورة معاقبة النظام الإيراني بسبب طموحاته النووية. كما أن واشنطن استثنت العديد من الدول من الالتزام بالعقوبات المفروضة على إيران، فقد أعفت واشنطن أكثر من 20 دولة من الحظر المفروض على استيراد النفط الإيراني منها الصين والهند واليابان وهي أكبر 3 دول مستوردة للبترول الإيراني. كما أن 10 دول أعضاء في الاتحاد الأوروبي تم إعفاؤها من الالتزام بهذه العقوبات. كيف تم عمل ذلك؟ القانون الأمريكي سمح بمثل هذا الأمر بالنسبة للدول التي «خفضت بدرجة كبيرة» وارداتها من البترول الإيراني. كما أن وزارة الخارجية الأمريكية هي التي تحدد مقياس «الدرجة الكبيرة» لخفض الواردات وربما تتجاوز وتعتبر أي نسبة بسيطة «درجة كبيرة» فاليابان خفضت وارداتها من النفط الإيراني بنسبة 22% وربما أقل. والصين خفضتها بنسبة 25% خلال النصف الأول من 2012 نتيجة خلاف مع طهران حول الأسعار وليس التزاما بالعقوبات الأمريكية بحسب ما أشارت إليه وكالة رويترز للأنباء، ولذلك سرعان ما عادت مشتريات الصين من النفط الإيراني إلى الصعود مرة أخرى. لذلك أمام الصين الآن ستة أشهر أخرى لكي تظهر أنها ستخفض وارداتها من هذا النفط. والحقيقة أن الإدارة الأمريكية ليست المذنب الحقيقي هنا. فهي تبذل أقصى ما في وسعها لكي تحشد الرأي العام العالمي والتحرك ضد إيران ولكنها تواجه الكثير من التردد من الكثير من الأطراف. ثمن الحصول على تعاون بكين وغيرها من العواصم الأخرى ليس كبيرا بحيث لا يمكن طلب هذا التعاون منها، ولكن كلما زادت الثغرات في الحظر المفروض على إيران قلت احتمالات نجاحها في تحقيق الهدف العاجل منها وهو إقناع طهران بالتخلي عن خططها للحصول على الأسلحة النووية. وإذا فشلت العقوبات في الوصول إلى هذا الهدف فإنه من السهل التنبؤ بما سيحدث لاحقا. فلا رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتينياهو ولا الرئيس الأمريكي باراك أوباما يريدان تحول إيران إلى قوة نووية. الفشل في إجبار إيران على وقف برنامجها النووية يعني لجوء إسرائيل والولايات المتحدة إلى القوة العسكرية لتحقيق ذلك، وربما تشتعل حرب شاملة في منطقة الخليج العربي ومضيق هرمز وهو ما يعني اضطرابا شديدا في إمدادات النفط العالمية وما يعني ذلك من تأثير مدمر على الاقتصاد العالمي. في هذه الحالة فإن الصين والدول العشرون الأخرى التي لا تشارك بفاعلية في تطبيق العقوبات على إيران لن تفلت من تداعيات هذه الكارثة. لذلك فإن المصالح بعيدة المدى لهذه الدول وللعالم ككل تفرض عليها المشاركة بفاعلية أكبر في إجبار إيران على التخلي عن طموحاتها النووية. افتتاحية (شيكاغو تربيون) الامريكية