«صلاح الآباء يدركه الأبناء»، هكذا قيل، وهو حقيقة ملموسة بالتجربة والممارسة إلى أن يشاء الله غير ذلك، وهو شاذ، والشاذ لا حكم له. والأبناء يكتسبون من آبائهم وأمهاتهم الأخلاق الطيبة أو الرديئة حتى تكون صفة لازمة لهم، يرثونها منهم من خلال ما يرونه ويسمعونه من أقوال وأفعال تراكمت حتى أضحت طبعاً لأولادهم. ويلحظ المعلمون والمعلمات أكثر من غيرهم الفوارق الفردية بين الطلاب والطالبات، ليس في التحصيل العلمي فقط بل في السلوك والمعاملة مع المعلمين ومع الزملاء؛ فهناك من الأطفال من يدخل الفصل مبتدئاً بالسلام وإلقاء التحية، ثم يحسن التعامل مع زملائه، ولديه استعداد للمساعدة وعدم إيذاء الآخرين والجنوح للعدوانية قولاً وفعلاً وعدم التدخل فيما لا يعنيه، وإذا ما خاصمه أحد فلا يسب ولا يشتم خلافاً للبعض ممن لا يعرف السلام ولا أدب الكلام ولا حسن التعامل مع الآخرين، ويجهل حسن الكلام، ويجيد سيئ الأفعال والأقوال. إن المدرسة تربي وتعلم وتهذب من خلال إرشادات المعلمين وتوجيهاتهم، وربما يكتسب الطالب أو الطالبة سلوكاً غير حميد من أقرانه أو زملائه، وهذا أمر غير مستغرب، لكن ما يكتسبه الأطفال من والديهم أشد تأثيراً، خاصة حينما يكثر في المنزل «قاموس الشتائم» مع الأبناء ومع الآخرين في المنزل أو في السيارة أو في الأسواق.. ومن يستمع من والديه إلى القول الجميل والفعل الحميد فسوف يتأثر، فإذا صنع له أحد معروفاً أو أساء إليه كانت كلمة «جزاك الله خيراً» على لسانه، وإذا احتاج منه زميل إلى مساعدة هب لمساعدته وآثره على نفسه. وهذا الأمر لا يقف عند حد الطفولة بل يمتد إلى سنوات طويلة، ويصدق على ذلك قول الشاعر: وينشأ ناشئ الفتيان فينا على ما كان عوده أبوه وربما هناك من الآباء من لا يتصف بالبذاءة وفحش القول والعمل، لكنه سلبي في تعامله مع الآخرين، وكما يقول العامة «نفسي، نفسي»، فيغرس ويكرس في نفوس أبنائه هذا السلوك السلبي، ويتأصل في نفوسهم، ويبقى فيهم حتى المشيب. وهناك من التربويين والدعاة من يطالب الآباء والأمهات بالحرص على التربية الحسنة وإبعادهم عن المؤثرات السلبية التي قد يتحصلون عليها من خارج المنزل أو من وسائل الإعلام كالفضائيات، لكننا نقول إن بعض الآباء والأمهات هم من يجنون على أبنائهم وبناتهم بالسلوك السلبي وفحش القول وبذيء الكلام وسوء الفعل. يقول أحد المعلمين - وهو يُدرِّس في المراحل الأولى - إن اثنين من الطلاب اشتركا في «فسحة»، وأحضر كل منهما معه شيئاً من الأكل، وهذا سلوك حميد وعمل جيد، لكن المصيبة حينما بدأ الاثنان في الأكل، أو قبل أن ينتهي كل منهما، وبقي القليل، قال الأول: «علي الحرام أن تأكله. فرد الآخر: علي الطلاق أن تأكله». يقول المعلم إن طول الطالبين لا يتجاوز المتر، وهما في الصفوف الأولى من الابتدائية، كان لهما جانب حسن وآخر سيئ، وكل هذا اكتسباه من المنزل، وربما اكتسب بعض الطلاب الصفات السيئة بالكامل، خاصة العدوانية! وفي الختام نقول: على الوالدين أن يعلما أن الإنسان ابن بيئته، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: «كل مولود يولد على الفطرة، فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه». [email protected]