بُعث النبي صلى الله عليه وسلم ليتمِّم مكارم الأخلاق، بهذا ورد الحديث الشريف، ولولا ما لمكارم الأخلاق وصالحها من قيمة عظيمة عند الله ما حظيت بهذه المكانة الكريمة من دعوة خاتم الأنبياء عليه وعليهم الصلاة والسلام. مكارم الأخلاق.. جملة جامعة مانعة، تضم ما حَسُن وكَمُلَ وصَلُح من الصِّفات الكريمة، فهي مثل الكُتْلةِ من الضِّياء التي تتجمَّع فيها أَنْوارٌ لا تخبو، فهي تضيء نفسها وما حَوْلَها، تنشر النور في كلِّ نفسٍ بشريّة تحملها، فيصبح بها الإنسان مصدراً لكلِّ صفةٍ مضيئةٍ في الحياة، إيماناً وخُلُقاً وعَدْلاً وإِنصافاً ووفاءً وتواضُعاً وإصلاحاً، وحرصاً على عمل الخير والدعوة إليه. مكارم الأخلاق... بها تتحقّق المودّة والأُلْفَةُ بين الناس، وبها تصفو النفوس، وتنشرح الصدور، وترقى أساليب التعامُل بين البشر حتى يَأْنس بها المستوحش، ويطمئنَّ بها القَلِقُ المضطرب، ويأمَنَ بها الخائف. مكارم الأخلاق... من الكلمات الجوامع التي تشبه الكُرة من المسك من أي ناحية تلمسها اليد تجد أثر طيبها الفوَّاح، فهي تنعش من يلمسها أو يشمُّها برائحتها الطيِّبة الزّكيَّة؛ إِنْ وقَفَتْ في مكانها فاح عِطْرُها، وإِنْ تدحرجَتْ مَلَأَتْ المكان بشذاها الفوَّاح. مكارم الأخلاق... عنوان بديع يستحق أن يبقى منقوشاً نقشاً بارزاً على واجهة مدرسة الحياة، وأن نعمل على نقشه في نفوس الأجيال ليرفع مقامهم، ويَمْلأ بالخير نفوسهم، ويضيء بالإحسان قلوبهم، ويجعلهم أفراداً صالحين في مجتمعاتهم، يرفعون لواء «مكارم الأخلاق» خفَّاقاً في كلِّ مكان وزمان. إنَّ الذي أطلق هذه الجملة «المضيئة» هو الذي وصفه الله عزَّ وجلَّ بأنَّه على خُلُق عظيم، ووصفته أُمُّ المؤمنين عائشة رضي الله عنها بقولها: «كان خُلُقه القرآن» وهو الذي قال: «وخَالِق الناسَ بخُلق حَسن». إنّه محمَّد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم الذي بشَّر أصحاب «مكارم الأخلاق» من المؤمنين بأنهم أقرب الناس إليه مجالس يوم القيامة، وهل هنالك شَرَفٌ يمكن أن يحوزه المؤمن أعظم من هذا الشرف؟؟ إنها مكارم الأخلاق التي تتعب في الحديث عنها الألسنة، وفي الكتابة عنها الأقلام، وفي تصوُّر معانيها العميقة العقول، فما أعظمها من كلمة، وما أعظم فصاحة قائلها عليه الصلاة والسلام، وما أحوجنا إليها قولاً وعملاً!! إشارة: هي الأخلاق تنبت كالنَّباتِ إذا سُقيت بماء المكرمات