لم أقصد بعنواني ذلك الجدار العنصري البغيض الذي بناه الكيان الإسرائيلي في فلسطين، وإنما الذي عنيته جدار القراءة المتحيز؛ فنحن غالباً نبنيه من أحجار الخلفية المسبقة للكاتب دون أن نراعي في ذلك الرؤية المحايدة للموضوع؛ فننطلق في تتبعنا لموضوع الكاتب من منطلق المتصيد لعثرته، والمتربص لزلته؛ فنأخذ ما يصلح لأن يكون فاكهة للحديث والخوض في عبارته التي قد تحتمل معاني متعددة؛ لنحصرها في زاوية ضيقة، ونرمي بسهام الاتهام ونبال إساءة الظنون عليها. هذا الجدار الذي وضعناه لأنفسنا فوّت علينا فرص الاستفادة من غيرنا؛ فبدلاً من أن نجعل ما تحمله طيات الصحف، وما تكتنزه دفات الكتب، مرتعاً في بساتين المعرفة وحقول الثقافة، أصبح خوضاً في وحول الشك، ومستنقعات الأهواء المغرضة. قراءة الموضوع دونما التفات لكاتبه يعطي للقارئ تجرداً للحكم عليه، ومعرفة الصحيح من السقيم منه، وحياداً تاماً في تصوره واستخراج الصالح منه من الطالح. أما رد الموضوع بجملته، والكف عنه برمته، والصد عنه وعن استخلاص ما طاب نفعه، واستقامت مفردته، فهذا هو الإجحاف بعينه. يروي أحد الصالحين في إحدى رحلاته إلى بلاد الهند أنه اتجه ذات مرة ليصلي في أحد مساجدها، وإذا بإمامهم بعد أن فرغ من الصلاة يدعو على الشيخ محمد بن عبدالوهاب؛ فحزّ في نفسه ما يقع على مجدد هذا العصر من ظلم وتعدٍّ، وأقسم أن يغير من قناعات هذا الإمام ويبدل فكرته عنه، وهداه عقله إلى طريقة ذكية ينزع من خلالها دفة كتاب التوحيد الموسوم به اسم الشيخ، وقدمه إلى الإمام ليعطيه مرئياته وانطباعه حول هذا الكتاب، فقرأه الإمام، وأُعجب به، وأثنى على مؤلفه، وسأل عن اسمه، فقال له الرجل: مؤلفه هو ذلك الشيخ الذي تدعو عليه كل يوم بعد كل صلاة. فتحسر الإمام، وندم على ما كان منه، ورجع عما كان عليه، وأصبح يدعو للشيخ بدلاً من أن يدعو عليه. هذا الإمام لم يكن لينطق بالحكم الصحيح، ويُنحِّي عنه غلبة التصور الخاطئ والمرجعية السلبية، لولا أن نُزعت عنه غشاوة هذه الدفة التي خلقت رؤية غير منصفة، ورصدت طابعاً سيئاً؛ لذلك فلكي نستفيد ثقافة، ونستزيد علماً، فلنغص في بحار العقول؛ لنخرج من أصدافها لآلئ الحكمة.