المصيبة عظيمة، والفاجعة كبيرة وأكبر منها أن نكتب عن قامة فارعة كنايف بن عبدالعزيز - رحمه الله - فأي كلمة تليق بمكانة نايف في نفوسنا! وأي عبارة تعكس مرارة فقده! ولوعة فراقه وفداحة الخسارة وعظم الخطب، وهول الفاجعة!!. يتسع الحسن فتضيق قواميس جميع اللغات، وتتكسر الأقلام، وتتلاشى العبارات. يهطل الدمع بغزارة، ويجف الحبر، وترتجف الحروف، فعذراً أيها العملاق إذا تعطلت اللغة وتوقف الحديث، وانحنت الكلمات، فأنت أكبر من كل الكلمات والعبارات والحروف. لقد فجعنا برحيل رجل استثنائي، ونادر وفريد، رجل هو بلا شك أحد معالم هذا الوطن الكبير.. رجل ارتبط بهذا التراب الطاهر حتى عانقه وامتزج به ميتاً، كما أحبه وأخلص له وزاد عنه حياً. فلم يغادره إلا بعد أن ترك في كل شبر منه بصمة لا يمحوها الزمان.. إنه نايف بن عبدالعزيز الحليم الحكيم الحازم، الرجل الذي إذا صمت كان لصمته معنى، وإذا تحدث لا يأتي أحد بمثل حديثه، فهو يصغي ويسمع، وإذا تحدث يبدع ويقنع، إنه سيد الصمت وسيد الكلام. ماذا عسانا نقول عنك أيها الراحل الكبير! فأنت نايف العزيمة والصمود والثبات. عرفناك في الرخاء وعرفناك في الشدة. لم تهزك العواصف، وما زادتك إلا ثباتاً وشموخاً وكأنك المعني بقول المتنبي: وقفتَ وما في الموت شكٌ لواقف كأنك في جفن الردى وهو نائمٌ تمرُّ بك الأبطال كلمى هزيمةً ووجهُك وضاحٌ وثغرُك باسمُ لم تتزحزح عن مبادئك التي آمنت بها، وعملت من أجلها، رغم شراسة المواجهة وصلف العدو وطيشه وجهله. أردت أن تعطي درساً عملياً في السماحة والصبر والعفو عند المقدرة، فكنت نموذجاً للمسؤول المسلم الذي يصفح ويعفو ويتسامح. وكنت قوياً وقت غضبك الذي نعرف جميعاً ويعرف الأعداء أي غضب يكون. لكنك كنت سيد الصفح والنصح. وكنت صادقاً وواضحاً وصريحاً فتحقق لك ما تريد دون أن تنحني، بل ازددت صلابة وعلواً وشموخاً. وكنت الأقوى فرميت السلاح وهزمت الجهل والضلال بعقلك وفكرك وبصيرتك وحنكتك. نايف بن عبدالعزيز هكذا دون ألقاب اسم يملأ النفوس والعقول زهواً وفخراً وخيلاء، يشعرك بالأمان والاطمئنان. كنا نحبك جميعاً ولكننا لم نكن نعرف أن لك كل هذا الحب وهذا الحضور حتى شعرنا بفقدك وتيقنَّا أن لن نراك بهدؤك وتواضعك وصبرك وفخامة حضورك، وأنت تحارب بالكلمة الصادقة، وتحاور بفكرك النير، وتقنع بثقافتك النادرة. لقد كانت هذه أسلحت التي هزمت بها الخوف والأعداء والمتربصين، وجعلت كل مواطن ومقيم في هذا الوطن الشاسع يشعر أنك تقف أمام بيته لتمنحه الأمان والراحة. ولن أنسى ذلك اللقاء الجميل الذي شرفتنا به نحن منسوبي معهد العاصمة النموذجي وما قدمته لنا من توجيهات ونصائح تربوية، مليئة بحنو الأب، وحرص المربي، وشغف العالم، وتطلع المثقف المستنير. لقد كنا نحن زائريك متخصصين في فروع المعرفة المختلفة، والعلوم التربوية المتنوعة، فوجدنا أن لديك أكثر مما تعلمناه. ولن أنسى الدهشة التي لفَّت الجميع وهم يستمعون لك وأنت تشخص واقعنا التربوي والتعليمي، وتطرح بعض الحلول والرؤى، وترسم المستقبل المشرق لشباب الوطن. رحم الله فقيد الأمة والوطن وأسكنه فسيح جناته، وجزاه خير الجزاء بما قدمه لدينه وأمته ووطنه، وألهمنا جميعاً الصبر والسلوان. إنا الله وإنا إليه راجعون. (*) مدير عام معهد العاصمة النموذجي