ظللت لمدة يوم كامل ومنذ إعلان وفاة سيدي الأمير نايف بن عبد العزيز -رحمه الله- في غيبوبة بسيطة استحضرت فيها والدي اللواء محمد بن يحيى الشيخ -رحمه الله- الذي عمل 35 عامًا في وزارة الداخلية في العديد من القطاعات تحت قيادة الملك فهد والأمير نايف يرحمهما الله والأمير أحمد أطال الله في عمره ووفقه وسدد خطاه، وكان والدي يشاركنا على الدوام يومياته في العمل الشرطي المنهك ولكنه كان دائمًا يردد أن ما من مدير شرطة محافظة أو منطقة إلا ويرجع إلى بيته وقد أنهك عصبيًا ونفسيًا وجسديًا نظير ما يمرَّ عليه من جرائم ومخالفات شنيعة، فكيف بسمو وزير الداخلية وسمو نائبه وهما يطلعان ويقرران في كل الوقائع الجنائية والإدارية على مستوى المملكة العربية السعودية كافة، إضافة لمسئولياتهما الإدارية والاجتماعية الكبرى. نعم ما كان يذكر والدي الأمن إلا ويذكر الفهد -رحمه الله- ورجالاته الكبار في وزارة الداخلية الذين ساندوه وفي مقدمتهم سيدي الأمير نايف بن عبد العزيز نائب وزير الداخلية آنذاك ومعالي الشيخ إبراهيم العنقري وكيل الوزارة ومعالي الفريق أول محمد الطيب التونسي مدير الأمن العام ومعالي الفريق طه خصيفان نائب مدير الأمن العام -رحمهم الله جميعًا- ولاحقًا معالي الفريق أول صالح خصيفان وسعادة اللواء كمال سراج الدين ومعالي الفريق هاشم عبدالرحمن آل شيبان -أطال الله في أعمارهم- وكان يقول: إن هؤلاء الرجال هم القادة التي أسسوا لنواة الأمن الحديث الذي نعيشه في المملكة العربية السعودية، الذي لولا التطبيق الحازم لشريعة الله لما وصلنا إلى هذا الأمن الذي نحسد عليه. وكنت أتذكر جيدًا حديثه عن تعيين الأمير نايف نائبًا لوزير الداخلية وأذكر جيدًا أنه كان يقول: إن الأمير نايف ذو خلق جمٍّ وأدب رفيع وثقافة عالية وحياء لا يوجد إلا لدى المؤمنين بالله. نعم عرفنا من كلامه المستمر -رحمه الله- عن تلك المرحلة بأنها مرحلة الانتقال من الأمن العام بمعناه المبسط إلى أمن الدَّولة المتكامل فكريًا وأمنيًا واجتماعيًا وأن الأمير نايف قد تولى هذه المرحلة الانتقالية ليقود نقلة نوعية طبعها بطابعه البسيط، فكان الحلم سيد الموقف دائمًا وكان الكرم في كل المواقف واضحًا لا تخطئه العين وكان الهدوء والتبصر والعقلانية فرض عين على كل من يعمل في فريق سموه. وكان سموه أخ أكبر لجميع منسوبي الداخلية يتابع أحوالهم ويرعى شئونهم دون كلل أو تململ وأذكر أنه عندما علم الأمير نايف بمرض جدي -رحمه الله- وحاجته الماسَّة للعلاج في الخارج منح والدي مبلغًا ماليًا كبيرًا وأعطاه إجازة طويلة لمرافقة والده وعندما أراد أن يتشكر منه بعد الصلاة في ديوان وزارة الداخلية امتعض بشدة وقال: «أنا خجل منك يا أخ محمد لأنني لم أساعدك بما يكفي فأرجوك أن تعذرني». نعم لو شهد والدي فقدان الوطن لنايف الأمن لحزن كثيرًا وبكاه كثيرًا وتأثر بفراقه كثيرًا، لأنَّه يعلم أن تعويض الرجال الكبار هو من الأمور الأصعب في الحياة التي تعاني منها الدول والعالم بأسره، ولكنه سيتذكر مقولته الشهيرة بأن في أبناء عبد العزيز على الدوام رجالًا مهيئين لتولي مسئولياتها على الفور وتحت أي ظرف، فكيف والرجل الذي أختاره خادم الحرمين الشريفين -حفظه الله ورعاه- لخلافة أخيه نايف في قيادة الأمن والأمان هو صاحب السمو الملكي الأمير أحمد بن عبد العزيز آل سعود -حفظه الله- الأمير العادل والنائب اللامع والصديق الصدوق والقائد الوفي صاحب الحس الأمني الكبير والشخصية القيادية المؤثِّرة. نعم لطالما افتخر والدي ورجالات الأمن بتوجيهات سمو الأمير أحمد بن عبد العزيز السديدة والواضحة في أحلك الظروف التي يصاحبها دائمًا تأكيد من سموه الكريم على مخافة الله وتقواه في السر والعلن والصدق في التعامل مع المسئول والمواطن واعتباره شريكًا في المسئولية الأمنية، كما كان يردد الراحل الكبير الأمير نايف يرحمه الله. إن الأمير أحمد بن عبد العزيز نموذج للمسئول الإصلاحي الكبير الذي يتتبع الفساد والمفسدين أينما كانوا ويوقع عليهم أشد العقوبات دون أن تأخذه في الحقِّ لومة لائم، وهو بذلك يطبق منهج المؤسس الكبير الملك عبد العزيز بن عبدالرحمن الفيصل الذي كان مجلسه مجلس القضاء العادل. وأبو عبد العزيز أيضًا لين القلب رحيم بالضعفاء وذوي الحاجات ممن لا حول لهم ولا قوة ينصت لشكواهم وينهي مشكلاتهم. وسأقول لك يا والدي: إن سموه الكريم احتضننا بعد موتك كما يحتضن جميع أبناء الوطن وحرص أن تكون عائلتك الصغيرة في مأمن من اللجوء إلى أحد سوى ولاة الأمر -أعزهم الله- فكان كما كنت تقول: رمز الوفاء في زمن عزَّ فيه الوفاء. نعم إن بعد العسر يسرًا، فبعد الفراق الأليم والفقد الكبير لرجل الأمن الكبير صاحب السمو الملكي الأمير نايف بن عبد العزيز - رحمه الله-، أسعدنا خادم الحرمين الشريفين باختياره لسمو سيدي الأمير سلمان وليًا للعهد ونائبًا لرئيس مجلس الوزراء ووزيرًا للدفاع وهو الرجل المناسب -رعاه الله- في مواقع القيادة وسيكون بحول الله وقوته سندًا لسيدي خادم الحرمين الشريفين -حفظه الله وأيده بنصره- في قيادة هذا الوطن المقدس إلى بر الأمان والرفاهية الكاملة لمواطنيه والتنمية الشاملة المستدامة التي يخطط لها ويرسمها. وأكمل خادم الحرمين الشريفين بث روح التفاؤل والطمأنينة في قلوب أفراد شعبه بتعيينه الأمير أحمد بن عبد العزيز وزيرًا للداخلية. وبذلك تثبت المملكة العربية السعودية بقيادتها الحكيمة أن الاستقرار وسلاسة الحكم فيها نهج قويم ومستمر يسعد الحبيب والصديق ويضع حدًا للحاقد والمريض والعدو المتربص. نعم يا أبي وطني -كما عهدته وغادرته- مستقر آمن إذا مات فيه سيد قام مكانه سيد وإذا ترجل فارس استلم فيه القيادة فرسان، نهجهم العقيدة الصافية السليمة وهدي محمد بن عبد الله صلَّى الله عليه وسلَّم وهو ما نشأوا عليه في كنف مؤسس البلاد الكبير الملك عبد العزيز بن عبدالرحمن الفيصل -رحمه الله وجزاه وأبناءه البررة من بعده عنا وعن المسلمين خير الجزاء. نم قرير العين يا والدي فللبلد ربّ يحميه ويرعاه ويسدد خطا قادته الكبار ما داموا يطبقون شرع الله القويم وسنّة نبيه العظيم. عن والدي اللواء محمد بن يحيى الشيخ يرحمه الله وليد بن محمد بن يحيى الشيخ