الحمدُ لله والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد: فإن المرء إذا أراد الحديث عن صاحب السمو الملكي الأمير نايف بن عبدالعزيز آل سعود - أنزله الله منازل الأبرار - وجد نفسه متحيراً بين العديد من المجالات التي تميز فيها، وما جمع الله له من محاسن الخصال والشيم التي يندر أن تجتمع في شخص. ويصعب على من لم تتح له سوانح الاجتماع بسموه -رحمه الله- أو العمل في الهيئات والمجالس واللجان التي يرأسها، أن يحيط علماً بتلك المزايا أو يتصورها على تمامها. وما من شك في أن ذوي القرابة من أبناء فقيد الأمة وإخوته، وسائر أفراد الأسرة الكريمة، والأشخاص الذين لازموه زمناً طويلاً، أدرى من غيرهم بما يتميز به سموه، وبالطريقة التي يتعامل بها، والأهداف التي يسعى إليها. ولا أزعم أني من أكثر الناس علاقة بسموه، ولكني على يقين من معرفتي بكثير من اهتماماته، وبالرؤية التي يرى بها حوادث الأيام والكيفية التي يتعامل بها معها، سواء أكانت وطنية أم إقليمية أن عالمية. وبخاصة في مجال اهتمامي في الأمور الدينية والتعليمية. كنت كأي مواطن في هذه المملكة المباركة، أتابع منذ الصغر جهود المسؤولين فيها، وبخاصة الكبار منهم، ومن ولاهم الله أمر الوطن، والمواطن، بدءاً من الملك عبدالعزيز -رحمه الله- الشخصية الفذة النادرة في التاريخ الحديث للعرب والمسلمين، إلى أبنائه الكرام الذين خلفوه من بعده في الملك أو تولوا مسؤولية مهمة في الدولة. لقد أقام الملك عبدالعزيز المملكة ووحدها على أسس واضحة، هي محل قناعة راسخة لدى أبناء هذا الوطن العزيز، لا يجدها المتابع لأوضاع البلاد العربية والإسلامية في دولة غيرها. لقد كانت الأسس التي قامت عليها المملكة، نابعة من الإسلام الذي هو أعز ما يعتز به أهل هذه البلاد، متمثلاً في مصدريه الرئيسين: كتاب الله وسنَّة رسوله صلى الله عليه وسلم، اللذين هما دستور المملكة ولهما السيادة على ما يصدر من أنظمة وقرارات، كما هو جلي في النظام الأساسي للحكم، وفي الواقع العملي الذي تسير عليه؛ فلا كلمة لأحد تعلو على شرع الله النابع من كتاب الله وسنّة نبيه عليه الصلاة والسلام؛ تنفيذاً لقوله تعالى: {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ} (36) سورة الأحزاب. وقد أثبتت المملكة في تجربتها الرائدة، أن السير على هذه الأسس، لا يتعارض أبداً مع متطلبات الشعب في حياتهم الاجتماعية والاقتصادية، لأن صلتهم بالإسلام تضرب بجذورها في أعماق تاريخهم، فإن نوره أشرق أول ما أشرق على بلادهم وأجدادهم، ومن أرضه انطلقت رسالته الخالدة، رحمة للناس طُرّاً، خاتمة لرسالات الله إلى عباده، تهيمن عليها وتشتمل على أسسها التي لا تختلف من رسالة إلى أخرى، وهي توحيد الله وإفراده في ربوبيته وألوهيته وأسمائه وصفاته، والإخلاص في ذلك، وإقامة العدل، والبعد عن الظلم والفساد في الأرض. ومن هذه الأصول انطلقت دعوة المصلح المجدد الشيخ محمد بن عبدالوهاب -رحمه الله- في القرن الثاني عشر الهجري، الذي آزره وناصره الإمام المجاهد محمد بن سعود -رحمه الله- لما رأى في دعوته من الحق وحاجة الناس إليها. وتتابع الأئمة والملوك من آل سعود -رحمهم الله- على احتضان هذه الدعوة وتأييدها، منذ ذلك العهد إلى هذا العهد المبارك، عهد خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز آل سعود، وفقه الله ونصر به دينه. لقد كان من نهج الملك عبدالعزيز -رحمه الله- تعزيز ثقافة الإسلام الصحيحة في المملكة ونشرها بين أبنائها، بشتّى الوسائل، ومنها إعلاء مكانة العلماء والاعتناء بمؤسسات التعليم. ولا يتنافى ذلك مع حب المرء لأسرته وقبيلته وقومه، والبلد الذي ينتسب إليه ولادة ونشأة، فإن هذه الأمور من الفطرة التي فطر الله الناس عليها، والإسلام راعاها في أحكامه وآدابه، وهذبها من السلبيات التي كانت في الجاهلية. فتحقق للمجتمع السعودي، في ظل مملكته، ما يأمله كل مسلم من الترابط والتعاون والتكامل، وفق أحكام الشرع الحنيف، في ظلال وارفة من الأمن والاستقرار، والتنمية الشاملة للوطن. وتحول ما كان يظهر هنا وهناك، من نزاع قبلي أو طائفي أو مناطقي، إلى صورة جديدة من الالتحام والوئام، والوحدة والتعاون في ظل أخوة إسلامية ووطنية، لم يضع معها شيء من حقوق القبيلة والأسرة والمنطقة، ما دام ذلك لا يتنافى مع شريعة الله الحكيمة العادلة المشتملة على أوفى المصالح. وأصبحت المملكة - فضلاً من الله ونعمة - مضرب المثل في الأمن والاستقرار والحياة السعيدة، نتيجة للالتزام بشرع الله، وترابط أبنائها على أساس الدين الذي يجمعهم. وإذا كانت المملكة مدرسة في هذه النعم التي أنعم بها على أبنائها، فإن مؤسسها وموحدها هو السبب الأول، بعد توفيق الله وعونه، في ذلك. لقد كان -رحمه الله- مدرسة رائدة في حسن التعامل مع مختلف الفئات الوطنية والقبلية، بل مع مختلف الشعوب والأمم، انطلاقاً مما يتميز به الإسلام من كونه ديناً عالمياً، يتجه برسالته للناس كافة، وينفتح بدعوته على مختلف الشعوب والأمم، داعياً إلى التعاون في كل ما يشترك فيه الناس من القيم والمفاهيم والتجارب، مما لا يتعارض مع ما جاء به الإسلام من عقيدة وشريعة. وسارت المملكة على هذا النهج الإسلامي الإنساني، في علاقاتها العربية والإسلامية والعالمية. ولقد كان أبناء الملك عبدالعزيز، من أوائل خريجي مدرسته، وأبرزهم وأنبلهم، حيث أدركوا حقيقة الرسالة التي أنيطت بهم، والمهمة التي وُكِلت إليهم، وأن الله سبحانه قد اختار لهم هذه المسؤولية العظيمة، في قيادة الأمة وتولي شأنها. وكان الواحد منهم يجد نفسه، منذ أن يفتح عينيه وفكره على الحياة ومشكلاتها ومتطلباتها، يعيش في محيط خصب من القدوة والتوجيه، من الوالد المؤسس، ورجاله وأعوانه المخلصين الذين أمضوا حياتهم في خدمة الدين والوطن. إضافة إلى تجاربهم في الحياة، والتعامل مع قضاياها ومجرياتها، فأصبحوا متميزين في شؤونهم الخاصة وفي تعاملهم مع الناس على اختلاف شرائحهم ومراكزهم، ووعوا أن رسالتهم ليست متجهة لتحقيق المآرب الذاتية والمطامح الشخصية، بل تسمو فوق ذلك إلى خدمة الدين الذي منّ الله به على عباده، أولاً، ثم لخدمة الوطن والمواطن، ثانياً. هذا الاستطراد استدعاه الحديث عن سمو الأمير نايف، -رحمه الله- وحسن الحديث عن الإنسان بعد رحيله عن الدنيا، من علامات الخير وحسن والعاقبة، ومن يذكره بذكر جميل مآثره، لا يتطلع لشيء من مكاسب الدنيا، ولكن إنما يفعل ذلك وفاءً لمن انتقل من هذه الدنيا إلى عالم آخر. نسأل الله أن يتولى الأمير نايفاً بواسع حرمته، وعظيم المثوبة فيما قدّم من خدمة لدينه وأمته، وغفر الله لنا وله كل تقصير، فإن الخطأ والتقصير شأن ابن آدم الضعيف غير المعصوم. هذه إضافة إلى أن الحديث عن الرجال الناجحين، يتيح الفائدة لكل من وفقه الله لمعرفة الإيجابيات في الحياة والتعامل، فاستفاد منها وعمقها في حياته، ومعرفة السلبيات في ذلك، فابتعد عنها وحذر منها الآخرين، نصيحة لهم وحرصاً على نشر الخير بينهم. أجل! لقد تخرج الأمير نايف -رحمه الله- في مدرسة الملك عبدالعزيز الأولى، وضم إليها مكتسباته العلمية والثقافية والاجتماعية. ثم كانت المرحلة الأعمق وهي مدرسة الحياة بفضائها الواسع، وزخمها المتدافع، فلم يكن سموه منعزلاً في برج عاجي يسمو به فوق الناس، ويربأ فيه بنفسه عن حاجاتهم وقضاياهم، بل كان في معظم حياته قريباً منهم، متواصلاً معهم، وكان ذلك سبباً في خوض تجاربه بدرجة عميقة وواسعة، في هذه المدرسة الواسعة، التي يسير معلموها ومديروها وفق رؤية واضحة. ومن وهبه الله قدرات متميزة، ووفقه لحسن التعامل مع الناس والصبر والحكمة في معالجة شؤونهم، يزداد بلا شك تفوقاً ويمضي من نجاح إلى نجاح، في مدرسته ومجتمعه. وكذلك كان صاحب السمو الملكي الأمير نايف، رحمه الله. والقارئ لهذه السطور ليس بحاجة إلى سرد تاريخي لأعمال الفقيد وإنجازاته، فهي مشهورة معروفة بين الناس. وقد لا يجد جديداً في ذلك لو ذكر. ولكن الذي أرى الفائدة في الإشارة إليه والتنويه بذكره، هو رؤيته الثاقبة السديدة للأحداث وطريقته الحكيمة في معالجتها، وحسن تعامله مع الآخرين، وانتهازه للفرص الإيجابية، وحرصه على الحافظة على الأسس التي قامت عليها هذه الدولة المباركة، وغير ذلك مما يستفيد منه الآخرون. والكلام في هذه الأمور لا تبعث عليه العاطفة بمجردها، ولا تستدعيه مناسبة ولا مكسب يرتجى، كما أشرت إلى ذلك سابقاً. وقد أبديت لسموه منذ بضع سنين رغبتي في تأليف كتاب يركز على هذه الجوانب في سيرته، وكان على عادته - رحمه الله - في حسن الخلق والتلطف مع جلساته، وتقدير مشاعرهم، قد وعدني حين رجوت منه أن يوجه أحداً في مكتبه، ليزودني بالمعلومات التي أحتاج إليها، في إصدار هذا الكتاب، لكن ذلك الوعد لم ينته إلى غايته، وقد يكون -رحمه الله- إنما جاملني مجاملة، ولم يكن يريد، تواضعاً منه، أن يشجع أحداً يكتب عنه. إن هذه المقتطفات أتت من فيض الذاكرة، ومن لقاءاتي مع سموه -رحمه الله- ومن خلال اشتراكي في اللجان والمجالس التي كان يرأسها. وكنت كغيري من الناس أقرأ عن سموه في وسائل الإعلام، وأسمع عنه من القريبين منه، وأراه في المناسبات. وقد بدأت العلاقة به - رحمه الله - في عام 1388ه حينما عينت عميداً لكلية اللغة العربية في الرياض، قبل أن تؤسس جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، حيث لم تكن آنذاك إلا كليتا الشريعة واللغة العربية، وعدد محدود من المعاهد قبل المستوى الجامعي، موزعة في المدن الرئيسة في المملكة، تحت اسم المعاهد العلمية التي لها إدارة تحولت فيما بعد إلى الكليات والمعاهد. وكانت أساساً لجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية التي صدر مرسوم إنشائها في عام 1393ه. كان في وقتها الملك فهد بن عبدالعزيز - رحمه الله - هو وزير الداخلية، وكان لسمو الأمير نايف دور رئيس في أعمالها، وكان - رحمه الله - دقيقاً في عمله، حريصاً على وقته، يتابع متابعة شخصية كثيراً من الأمور المكلفة بها أجهزة متخصصة. ولا تزال في ذهني صورة له في حفل كبير في مدينة الأحساء، بمناسبة افتتاح مشروع يتعلق بالمياه والصرف في المدينة، افتتحه الملك فيصل -رحمه الله. وقد حضرنا من الرياض مع عدد كبير من المدعوين من المسؤولين والوجهاء، من الرياض وغيرها. حضرنا مكان الحفل قبل بدئه بوقت مبكر، وكانت المفاجأة أن سمو الأمير نايف كان موجوداً يتحرك في مكان الحفل بكل نشاط ودقة، ويوجه بتخصيص أماكن لبعض الشخصيات البارزة، بل كان ينظر في أمور بسيطة للغاية تتصل بالشكل كالمقاعد والطاولات، وبخاصة مكان الملك وكبار الأمراء والضيوف، ويأمر بتغيير غير المناسب منها، إضافة إلى ترتيب رجال الأمن وتعيين أماكنهم، والعناية بذلك. وظل طيلة أكثر من ساعة قبل وصول الملك فيصل -رحمه الله- واقفاً لم يجلس على كرسي لحظة واحدة، واستمر كذلك في أثناء الحفل كله، وبعد الانتهاء مباشرة انتقل الحفل إلى موقع الخزان الكبير الذي كان سينطلق منه المشروع بعد افتتاحه من قبل الملك. إن هذا غريب من مسؤول كبير مثل الفقيد، خاصة مع وجود من هو أولى بالقيام بهذا العمل، لكنها الهمة والمتابعة. وأين ذلك من البعض الذين لا يتابعون بأنفسهم ما هم مسؤولون عنه، ولا يهمهم إلا المظهر الإعلامي الذي يبرزون فيه؟ وأذكر لسموه الكريم موقفاً إنسانياً نبيلاً، يعطي مثلاً رائعاً على حرص قياداتنا على المواطنين واهتمامهم بهم. كان موعد مناقشتي لرسالة الدكتوراه في جامعة الأزهر بالقاهرة، محدداً في أول نوفمبر من العام 1973م، ولما اندلعت حرب أكتوبر توقف الطيران المدني إلى القاهرة، فغلب على الظن أني لن أتمكن من السفر، وفي يوم عيد الفطر ذهبت إلى معالي الشيخ عبد العزيز بن محمد بن إبراهيم آل الشيخ -رحمه الله- لأهنئه به في منزله الواقع في شارع الخزان بالرياض، وإذا بسمو الأمير نايف عنده، ولما سلمت عليه وجلست إلى جنبه سألني -رحمه الله- عن مناقشة رسالتي، فأخبرته بصعوبة السفر في ظل ظروف الحرب، فقال لي: أنا الآن ذاهب إلى وزارة الداخلية - وكانت الأيام أيام عطلة - فأت بعد قليل إلى مدير مكتبي لتأخذ كتاباً مني إلى سمو الأمير أحمد - وكان آنذاك نائباً لأمير منطقة مكة - لتدبير سفرك. ولم أكن أصدق أن ذلك سيتم. ذهبت حسب توجيهه وتسلمت الرسالة، وذهبت إلى جدة من فوري في مساء ذلك اليوم، ومعي المشرف على رسالتي الدكتور عبد العال عطوة - رحمه الله - وفي الصباح الباكر غدوت على سمو الأمير أحمد في منزله، فكتب على توجيه سمو الأمير نايف إلى مسؤول المطار لتنفيذه، وسلمني الخطاب مفتوحاً، وإذا نصه: دبروا سفر فلان وأستاذه في أول طائرة تتجه إلى القاهرة، عسكرية أو مدنية، وتم ذلك بحمد الله. وأذكر حينما نزلنا في القاهرة، نقل كل الركاب في حافلات كبيرة، لمنع التجوال وتوقف وسائل النقل والكهرباء والحركة العامة، بسبب الحرب، ونوقشت الرسالة في الموعد نفسه. وأذكر أن الأستاذ الخطيب - رحمه الله - كتب عنها في الأهرام أو الأخبار في مصر، وكان العنوان: رسالة تناقش تحت فوهات المدافع والقنابل وصرخاتها. هذا الموقف الإنساني لن أنساه لسمو الأمير نايف، وهي جزئية بسيطة في ذاتها، لكنها ذات أثر كبير على صاحبها، مما يتطلب من المسؤولين النظر والاحتساب وتقدير ظروف الناس وحاجاتهم، فقد لا يأبه المسؤول لموضوع هو من صاحبه ذو أهمية كبيرة، وإذا ما أحسن المسؤول إلى أحد فإن إحسانه قد يكون ذا أثر في سلوك ذلك الشخص بالإحسان مع الآخرين. ولسموه معي ومع الكثير من السعوديين وغير السعوديين، مواقف إنسانية رائعة وعجيبة، لم يكن يحب - رحمه الله - أن تذكر في حياته. أما الآن وقد انتقل إلى رحمة الله، فقد زال السبب الذي يمنع من ذكرها، ليعرف الناس ما كان عليه من سمو الشيم وجميل الخصال. وأذكر في هذا أمراً عجيباً بالنسبة لي وبالنسبة لصاحبه ولغيره. كنت مرة في القاهرة، ولي زيارات عديدة لها، وصداقة خاصة مع الأستاذ الأديب محمود شاكر -رحمه الله- وهو شخصية بارزة في العلم والأدب والثقافة، وسمو الشخصية، والأنفة والعزة، مما يستحيل معه أن يعرض حاجة له على أحد. وكانت شقته التي يقيم فيها منذ عدد من السنين، ملتقى للعلماء والباحثين، وبخاصة ما يتعلق بالتراث الإسلامي وتحقيقه، وكثير من طلاب الدراسات العليا في مصر يستفيدون منه ومن مكتبته، في مجال اهتمامه أكثر من استفادتهم من جامعاتهم ومن المشرفين عليهم. وكانت عنايته متميزة في مجال اللغة والأدب وتحقيق كتب التراث. وله نظرات خاصة في الحضارة الإسلامية، وفي الوضع الحديث الذي يعيشه العرب والمسلمون، وفي أسباب تخلفهم، والطريق الصحيح لنهضتهم. وليس هذا محل الكلام في هذا الموضوع، فإنه واسع متشعب وله مناسبة أخرى. والأستاذ محمود كأخيه أحمد - رحمهما الله - معروفان بجهودهما الكبيرة في مجال البحث العلمي وخدمة التراث، ولهما صلة وثيقة، بالمملكة وقادتها، وإن كان محمود يختلف عن أخيه في نظرته للأحداث وتعامله مع الآخرين. وجدت الأستاذ محموداً يسكن في شقة صغيرة خلال سنوات طويلة، والكتب تملأ جدرانها وممراتها وغرفها، حتى غرفة النوم، ومن يأتي إليه - وهو كريم لا ينقطع استقباله للناس في الليل والنهار، من الباحثين والعلماء - يجد صعوبة في الحصول على مكان للجلوس، إضافة إلى ما تلقاه أسرته المكونة من زوجة وابن وبنت، من التعب وأنا أعرف حالته المادية الحرجة، حيث لا دخل لديه إلا ما يحصل عليه من الكتب التي حققها، مع عفة نفسه، وتسامحه مع دور النشر والمكتبات. ونظراً لمعرفتي بالعلاقة القديمة التي تربطه بسمو الأمير نايف، وتقديره له، عرضت على سموه وضعه، وذكرت ما رأيت من ضيق مسكنه، وحاجته إلى مكان أرحب، فما كان من سموه - رحمه الله - بعد سؤاله عن المبلغ المناسب لسد تلك الحاجة، إلا أن قدم له أكثر من المبلغ المذكور، وكان فيما أذكر منذ أربعين سنة، في حدود أربعة ملايين. وهو مبلغ لا يحلم به كبار المصريين في ذلك الوقت، فكيف بالأستاذ محمود وأمثاله؟ وقد مكنته تلك المساعدة السخية من بناء عمارة لسكنه والاستفادة من دخلها. وقد كانت للأستاذ الفاضل عبد العزيز السالم، جهود مشكورة في هذا المسعى، فقد كان من المقربين من الأمير نايف، وعلى صلة وثقى بالأستاذ محمود شاكر. والأستاذ السالم من الشخصيات السعودية النادرة في الأدب والخلق والأمانة، والوفاء والحرص على ربط العلماء الكبار والمثقفين بالمملكة ومنهجها، وليس المجال مجال الحديث عنه، ولكن دعت إلى ذلك مناسبة بيان كيف كان سمو الأمير نايف - رحمه الله - يتعامل مع الرجال الأمناء الصادقين، ويثق فيهم. وهذا الموقف الإنساني الذي كان من سموه مع الأستاذ شاكر، إنما هو موقف مع العلم وأهله والمخلصين للأمة وتراثها، حيث كان - رحمه الله - مسخراً وقته وطاقته لخدمة التراث وأهل العلم. وهذه المناسبة التي لا تنسى، تجرني إلى الحديث عن اهتمام سمو الأمير نايف بالعلم وأهله. ولن أتحدث هنا عن خدمته للعلم وطلابه ومؤسساته ومتابعتها في داخل المملكة وخارجها، ولكني أشير إلى اهتمامه بالعلم الشرعي، وفق منهاج السلف الصالح، وأثر ذلك على أوضاع المسلمين، وقد تحدث معي سموه - رحمه الله - في مناسبات عديدة عن أهمية تعاون المملكة والمسؤولين والمؤسسات المعنية فيها، مع العلماء المسلمين في مختلف دول العالم، وفق برنامج ينظر نظرة بعيدة للأمة الإسلامية وأحوالها، وللتحديات التي تواجهها، وما ينبغي أن يقوم به العلماء، وأهمية دعم المملكة للعلماء الربانيين الصادقين منهم، ومساعدتهم على تكوين أنفسهم ونشر مؤلفاتهم، والتواصل معهم عبر مختلف المناسبات، وبخاصة في موسم الحج، وعقد الاجتماعات بينهم وبين العلماء في المملكة، وللتعارف والاستفادة، وليعرف الجميع أن منهاج المملكة ودعوة الإمام الشيخ محمد بن عبد الوهاب - رحمه الله - هو المنهاج الذي سار عليه صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وسلف الأمة الصالح، وأن الاختلاف في الفروع وتقدير أحوال الناس وعاداتهم لا يمس أسس الدين وأصوله. وقد طلب مني - رحمه الله - أن أقدم له تصوراً متكاملاً في ذلك، لاتخاذ ما يلزم من إجراءات تنفيذه، ففعلت. ولعله اتخذ ما يلزم لذلك من إجراءات، وعسى أن يخرج إلى الواقع -إن شاء الله، ويكون ذلك زيادة في حسناته. هذه النظرة العظيمة من سموه، جاءت من تجارب ودراسات، ومتابعة للأحداث الإقليمية والعالمية، وتواصل مع تاريخ العرب والمسلمين، وما فيه من تقدم وتراجع. وهو عمل يذكر بمنهاج الملك عبد العزيز -رحمه الله- الذي فتح الباب واسعاً للتعاون مع العلماء والمسلمين، من مختلف الأعراق والأوطان والمذاهب، إذا كانت الأسس لديهم صحيحة، والمرجع الكتاب والسنة ووفق فهم سلف الأمة، حتى أصبحت المملكة ملتقى لأولئك العلماء ووجدوا منه - رحمه الله - الدعم المادي والمعنوي، على الرغم من ظروف وقته والإمكانات المحدودة فيه. ويذكر بموقف الملك فيصل - رحمه الله - في الدعوة إلى التضامن الإسلامي، وجمع كلمة المسلمين في مواجهة التيارات القومية والإلحادية التي توسعت في البلاد العربية، وأثرت تأثيراً سلبياً على علاقة العرب بالمسلمين. ولا يخفى أن إنشاء رابطة العالم الإسلامي، ومنظمة التعاون الإسلامي، والندوة العالمية للشباب الإسلامي، وغيرها من الهيئات الإسلامية، وما تم من جهود فيها وفي مؤسسات المملكة الأخرى، كان بدعم وتوجيه من قيادتها الكريمة. واليوم يقود السفينة خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز -حفظه الله- وفق ما أسسه والده - رحمه الله - وسار عليه، هو ومن جاء بعده من الملوك، ويبذل جهوداً مضاعفة في دعم المؤسسات الإسلامية، وتوحيد صف العرب والمسلمين، والتركيز على الحوار الجاد الهادف، بينهم وبين غيرهم من الأمم والشعوب. إن الكلام عن سموه الأمير نايف - رحمه الله - يذكر بذلك. وجهود سموه متعددة في هذه الجوانب، ومن أبرزها خدمته للسنة النبوية والسيرة النبوية وتشجيع الباحثين والدارسين، وإقامة جوائز متميزة، وكراسي متعددة التخصصات في العديد من الجامعات في المملكة وخارجها. ولا أذكر أني عرضت عليه - رحمه الله - طبع كتاب من كتب التراث الإسلامي في التاريخ أو التفسير أو الحديث، أو غيرها، إلا بادر بالتأييد والدعم المادي والمعنوي، بل إن تعليقاته وبخطه الجميل على كتاباتي له، تزيد من حماسي في متابعة خدمة التراث، الذي يخدم العلماء على وجه الخصوص. لقد تم إصدار موسوعات علمية بدعمه وعلى نفقته الخاصة، كسنن البيهقي، والدر المنثور، وموسوعة شروح الموطأ، وغيرها من الموسوعات التي يصعب على دور النشر والأشخاص العاديين إصدارها. وطلاب العلم يتدافعون للحصول عليها، من داخل المملكة وخارجها، وهم يلهجون بالدعاء للأمير نايف، وسيجد ثوابه -بإذن الله- عند ربه. هذه الصفة وهذا الحرص على التراث وعلى السنة خاصة، وعلى دعم العلماء الربانيين من الصفات البارزة لديه -رحمه الله- وأجزل له المثوبة. لن أتحدث عن الجوانب الأمنية أو السياسية، وما لديه - رحمه الله - من قدرات متميزة واهتمامات جلية، فذلك من شأن المختصين، ولكني أركز - كما أشرت سابقاً - على اختصاصي ومشاركاتي مع سموه في بعض المجالس واللجان. كان للإعلام مجلس في بداية تولي معالي الدكتور محمد عبده يماني -رحمه الله- وزارة الإعلام، وكنت عضواً فيه، ثم أصبح مجلساً أعلى برئاسة سمو الأمير نايف -رحمه الله- فتطور عمل المجلس وأداؤه وتكونت له لجان تحضيرية. والذي يهمني هنا شخصية سمو الأمير نايف، ونظرته المتميزة للإعلام في المملكة ومراعاة خصوصيتها الدينية والجغرافية، ونظر المسلمين والعالم كافة لها. وخلال سنوات ليست قليلة وأعمال المجلس متواصلة، برئاسة سموه وتوجيهات القيادة الكريمة، الملك خالد وفهد -رحمهما الله- وخادم الحرمين الشريفين، الملك عبدالله -حفظه الله ونصر به دينه. كان المجلس يعالج قضايا وقتية، ويضع خططاً وسياسات للمستقبل، ومن أبرزها السياسة العليا للإعلام التي أقرت بموافقة سامية، وإذا قرأها الإنسان بتأمل أدرك أهدافها، وما تتطلع إليه القيادة الكريمة منها. وليس الحديث هنا عنها، ولكن عن سمو الأمير نايف رئيس المجلس الذي اتخذ منهجاً واضحاً سار عليه المجلس واستفادت منه وسائل الإعلام حسب ظروفها وقدراتها والقائمين عليها. كان يؤكد -رحمه الله- في مختلف جلسات المجلس على أن الإعلام سلاح ذو حدين، وأننا ينبغي أن نستثمره في تأصيل ثقافتنا وقيمنا واجتماع كلمتنا وفقاً لخصوصيات المملكة، وأن نهيئ جيلاً إعلامياً متميزاً للقيام بذلك، وإلا فستكون آثار الإعلام والتواصل الإعلامي الخارجي علينا وعلى مجتمعنا سيئة. وكل متابع ومخلص للإعلام ووسائله وآثاره يدرك أهمية ما كان يحرص عليه الأمير نايف -رحمه الله. ولا زلت أذكر في إحدى المناسبات رده على من قال: إعلامنا إذا ظل محافظاً على ما كان عليه، فإن الكثير من أبناء المملكة سيتركه ويتابع الإعلام الآخر الذي لا يقيم وزناً للقيم والأخلاق التي تحرص عليها المملكة وقيادتها، ومن ثم قد يتأثر به. كان رده -رحمه الله- رائعاً حيث قال: نحن مسؤولون أمام الله ثم أمام ولاة أمرنا ومواطني المملكة عن إعلامنا الذي نتحكم فيه، أما غيره فلا شأن لنا به. وهل نتابع الناس في أخطائهم، فمعظم الدول الإسلامية لا تطبق الشرع الإسلامي، ولا تقيم وزناً لما نشأت عليه دولتنا فهل نتابعها، علينا أن نجعل إعلامنا محصناً لمواطنينا، ومؤثراً في الآخرين، من خلال قوة البرامج والتعامل الجاد مع الأحداث. كان هذا الرد مسكتاً لصاحب القول، ومثيراً لإعجاب الآخرين ودهشتهم من وضوح الرؤية وصراحة الموقف، وقوة الرد. هذا هو سمو الأمير نايف في هذا المجال. ولا شك أن الإعلاميين في مؤتمراتهم الصحفية يحسبون أكثر من حساب لما يقدمونه لسموه من الأسئلة أو التعليقات. وفي المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية الذي كان يرأسه صاحب السمو الملكي الأمير سلطان بن عبدالعزيز ثم تولى رئاسته من بعده صاحب السمو الملكي الأمير نايف بن عبدالعزيز -رحمهما الله- كانت لسمو الأمير نايف الرؤية الواضحة في التعامل مع المسلمين، سواء أكانوا في البلاد الإسلامية أم في بلاد الأقليات بما يشد أزرهم ويجعلهم يحافظون على دينهم. وفي مختلف المناسبات يؤكد أهمية تحقيق الأهداف والنتائج من الدعم الذي يقدم من المملكة لهؤلاء المسلمين، وليس مجرد الإسهام فقط، والتذكير بأن هذه المساعدات هي من شكر الله على نعمه علينا في المملكة في الأمن والاستقرار والرخاء، وأن علينا واجباً تفرضه إخوة الإيمان والدين وخصوصية بلادنا ودولتنا. وهذا يدعونا للحديث عن جهوده -رحمه الله- في الحج ومناسبته العظمى ومتطلباته، وبخاصة في المجال الأمني، والتعامل مع هذه الملايين المتنوعة تنوعاً كثيراً في مستواها الديني والاقتصادي، والتنظيمي. لقد كان يتابع قدوم الحجاج وأداءهم لمناسكهم وحتى مغادرتهم ساعة بساعة، ويؤكد على حسن التعامل معهم، وقد كان رجال الأمن والمرور في المناسك ومداخل المملكة والطرق إلى مكةوالمدينة في حالة استنفار يعتز به كل مواطن، بل كل مسلم، حينما يرى هذه الخدمات العظيمة، وتسخير الإمكانات الهائلة دون طلب أي مقابل مادي أو غيره. ولو كان في غير المملكة لكانت حسابات المردود والمصالح الاقتصادية والسياسية والإعلامية في الاهتمام الأول. وما زال في ذهني موقف لسموه الكريم في عام 1394ه فيما أظن حينما حصل حريق كبير في منى. وكان معظم الحجاج يهربون من مكان الحريق، وكان -رحمه الله- بنفسه في الميدان يتنقل من مكان إلى آخر في أقرب الأماكن للحريق، ويتابع جهود الإطفاء ويوجه بعون المحتاج وإسعاف من يحتاج إلى إسعاف، وكان يتقدم من معه من رجال الأمن والمرافقين. هكذا المسؤول صاحب الهمة العالية، الذي يراقب الله في أدائه لواجبه. تعاملت مع سموه مباشرة في مناسبات عديدة من أهمها مواجهة تحركات الإيرانيين في وقت الخميني، وما أحدثوه في موسم الحج وما أرادوا أن يصلوا إليه من تأثير على الأمن والاستقرار وأداء المسلمين مناسكهم في يسر وسهولة وأمن. فلم يتحقق لهم ذلك للجهود التي بذلت في الحيلولة دونه، وبخاصة من الجهات الأمنية بقيادة ومتابعة من سموه -رحمه الله- ووفق توجيهات الملك وولي العهد. وأذكر تأكيداته في المناسبات ووسائل الإعلام وتوجيهات للجميع بالعدل وعدم الإساءة لكل من لم يحصل منه إساءة أياً كانت جنسيته أو طائفته، ويكرر -رحمه الله- قول الله سبحانه وتعالى: {وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى}، وأن الإحسان للآخرين أحسن طريق لعودتهم للحق ومراجعتهم لأنفسهم. كان - رحمه الله - مدرسة في الحكمة والصبر والنظر البعيد، مع الحزم في مكانه، واتخاذ القرار المناسب في الوقت المناسب. ومنها غزو العراق للكويت وآثاره البشعة على العرب والمسلمين، وبخاصة المملكة ودول الخليج، فكان -رحمه الله- وبتوجيه من الملك فهد وسمو ولي العهد في ذلك الوقت الملك عبدالله، يتابع الأحداث في المملكة وعلى المستوى الإقليمي والعالمي، وكان مما يردد أن هذه البلوى والمصيبة الكبيرة اختبار عملي في التعامل والمواقف مع الدول والمؤسسات والأشخاص. كانت جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية أسهمت إسهاماً جيداً في إيضاح الحقائق وبيان بشاعة العدوان وآثاره العميقة على العرب والمسلمين، وقد قمت وقتها ضمن وفد لزيارة العديد من الدول في آسيا وإفريقيا وأوروبا، للاجتماع مع العلماء والقيادات الدينية والسياسية، لشرح موقف المملكة ودول الخليج في مواجهة العدوان ورفع الظلم. وقد عقدت الجامعة الندوات واللقاءات، وأبرزها مؤتمر الجهاد الضخم الذي افتتحه سمو الأمير سلطان بن عبدالعزيز نيابة عن خادم الحرمين الشريفين، وهو أول مناسبة تقام في مقر الجامعة الجديد. وكانت له آثار إيجابية على عدة مستويات، وبعده بأيام قليلة اندحر صدام ومن معه وخرجوا من الكويت. حضرت مع سموه -رحمه الله- الكثير من المؤتمرات والمناسبات، وشاركت في العديد من اللجان التي تبحث جوانب متعددة مما يتصل بالمملكة وجهودها في التنمية، فكان -رحمه الله- يركز على الإنسان، وأنه إذا صلح تحققت كثير من الإيجابيات، وإذا فسد فمهما وفرت الإمكانات والفرص فلن تحقق النتائج المطلوبة. ومن الأمور الواضحة رسوخ رؤيته فيما يتعلق بأهداف المملكة وما قامت عليه، وفيما يتعلق بالإسلام وأصوله، لا تأخذه في الله لومة لائم، ولا يتغير رأيه مجاملة لفلان أو علان. والثبات على المبادئ، والتعامل بموجبها في مختلف الظروف في غاية الأهمية، ولا يقدر عليه إلا من وفقه الله وثبته على الحق، وكان من دعائه صلى الله عليه وسلم الكثير: (يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك). فالثبات على الحق، والاستمرار على النهج الصحيح، وعدم التغير تبعاً للأهواء والمصالح، من أعظم نعم الله على الإنسان. انتقل سمو الأمير نايف من هذه الدنيا الفانية، إلى الدار الباقية، ولكنه ترك آثاراً عظيمة، ودعوات المؤمنين الصادقين له لا تنقطع بالمغفرة وحسن الجزاء. وترك سيرة يستفيد منها الصغير والكبير، فالهدف من الكتابة عن سير الدول والملوك والعلماء والشخصيات البارزة الاعتبار والاستفادة. ومما يخفف مصابنا فيه -رحمه الله- أن ولي أمرنا ووالدنا خادم الحرمين الشريفين، الملك عبدالله بن عبدالعزيز من أبرز خريجي مدرسة الملك عبدالعزيز -رحمه الله- حرصاً على الدين والوطن والمواطن. وحرصاً على اختيار الشخصيات القادرة على أداء المسؤولية ومتابعة من سلف من أصحاب السير المتميزة. ومن نعم الله علينا في المملكة اختيار خادم الحرمين الشريفين لصاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن عبدالعزيز آل سعود، ولياً للعهد ونائباً لرئيس مجلس الوزراء، ووزيراً للدفاع، وهو الرجل الذي قضى أكثر من نصف قرن في خدمة دينه ووطنه ودولته ومواطنيه، وهو الشخصية المتميزة في تاريخ المملكة ورجالها، وذلك مما خفف المصيبة في وفاة سمو الأمير نايف -رحمه الله. وكذلك اختياره صاحب السمو الملكي الأمير أحمد بن عبدالعزيز آل سعود، وزيراً للداخلية، بعد تجربة طويلة في الوزارة وتأهيل متفوق في العلم والعمل والثقافة والوعي، ومواهب متعددة تستثمر في الحق والإصلاح وتنمية الوطن ووحدته. إنهما شخصيتان متميزتان محبوبتان من كل مواطن، كافحا فيما مضى في سبيل الدين والوطن، وخدمة المواطنين من خلال مواقعهما الرسمية وجهودهما الشخصية. وسيحققان -بإذن الله- الكثير والكثير من الإنجازات بتوجيه خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز آل سعود -حفظه الله وأمد في عمره على طاعته. وسيسيران -بإذن الله وتوفيقه- على منهاج الملك المؤسس وأبنائه البررة. إن الكلام عن سمو الأمير نايف يستدعى وقتاً وجهداً. ولا شك أن إعلامنا في المملكة والإعلام العربي والإسلامي والعالمي قدم الكثير في ذلك، وأن العلماء والمثقفين في المملكة وخارجها تحدثوا عن هذه الشخصية المتميزة، وكان الألم يعتصر قلوب الكثير منهم ممن يعرف سمو الأمير نايف حق المعرفة، ولا نقول إلا ما يرضي الرب، و{إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعونَ}. وصلى الله وسلم على نبينا محمد وصحبه. الأمين العام لرابطة العالم الإسلامي وعضو هيئة كبار العلماء