احتيال قرين سبان لقومه بعد حادث الحادي عشر من سبتمبر 2001 -الذي أشرنا إليه في مقال سابق- من أجل إخراج بلاده من بدايات التباطؤ الاقتصادي واستصناع نمو للاقتصاد الأمريكي قائم على بيع أوراق مالية استمر سبع سنوات، لم يكن بدعا من الأمر. فكثير هم الذين يحتالون لأوطانهم. فقد تلاعبت عدة دول أوربية - مؤخرا- بالدفاتر المحاسبية من أجل توفير السيولة والتمويلات اللازمة لضمان استمرارية النمو في بلادهم. وأفضل من أجاد اللعبة أيسلندا. فأيسلندا فتحت كل الأبواب وسهلت كل الطرق ووفرت كل الوسائل لبنوكها من أجل أن تقترض من الخارج ومن ثم تُقرضها للشركات الوطنية والاستثمارات الداخلية. وعندما جاءت الأزمة لم تكن أيسلندا مرتبطة بأي ارتباطات سياسية أو اقتصادية أو نقدية قوية بأوروبا أو بغيرها من الدول الأجنبية، كما أنها كانت تطبق نوعا من التحكم في الحركة الدولية لرؤوس الأموال (فلم تخش من هجرة الأموال الخائفة من انخفاض قيمة العملة بسبب الإفلاس). ولذا فلم تقدم أيسلندا فلسا واحد لبنوكها المحلية المتورطة بالديون الأجنبية وتركتها فريسة الإفلاس من أجل أن يتحمل المقرضون الأجانب تبعية الأزمة وليس المواطنون الأيسلنديون دافعي الضرائب. وعلى أثر إفلاس البنوك الأيسلندية شُطبت كثير من الديون الأجنبية، وتسومح عن ما بقى منها فتخلصت أيسلندا من الديون. وعلى الرغم من التضخم الذي وصل 25% الذي أعقب الإفلاس- بسبب ضخ وطبع الفلوس- إلا أنه لا يكافئ مستوى انخفاض قيمة عملتها المحلية إلى وصل إلى النصف، مما ضاعف من صادرتها وجفف وارداتها حتى عادت إلى النمو القوي ووصلت البطالة اليوم إلى أقل من نسبتها الطبيعية (حوالي 6%) وقارب دخل الفرد الأيسلندي دخل الفرد الأمريكي 41 ألف دولار (حوالي ضعف دخل الفرد السعودي). واستطاعت أن تقترض الحكومة من جديد بمعدل حول 4%. إفلاس أيسلندا إفلاس استثماري كإفلاس مقاطعة أورنج في كاليفورنيا عام 1994م التي تعد من أغنى وأرقى المقاطعات الأمريكية. وكذلك فعلت دبي، فإفلاسها إفلاس استثماري. فقد احتالت لنفسها، فجلبت الأموال الاستثمارية الأجنبية واستغلت سذاجة الصيرفة الإسلامية في الصكوك فبنت اقتصاد استثماريا نقلها من قرية صحراوية لا تملك شيئا من الموارد إلى نموذج يحتذى به، حتى إذا جاءت الأزمة المالية فعلت قريبا مما فعلته أيسلندا فلم تتدخل حكومة دبي في دعم الشركات وجعلتها تفلس وتجبر الدائنين على إعادة الجدولة دون تعويضات -وخاصة الصكوك الذين لا حق لهم قانوني. وها هي اليوم تعاود الاقتراض بمعدل قريب من 4%، كأيسلندا. فهذه ثلاثة نماذج لدول ومقاطعات احتال حكماؤهم لأوطانهم وشعوبهم ونجحوا نجاحا كبيرا وكان لكل واحدة منها سيناريو خاصا بها وظروفا تلائمها. اليونان وايطاليا واسبانيا والبرتغال وحتى فرنسا كلهم ركبوا موجة الاحتيال الكبرى الذي ابتدأها قرين سبان التي بعد حادث سبتمبر 2001، إلا أن ظروف الاتحاد الأوربي واليورو وحرية انتقال الأموال لها ملابسات لا يتسع مقال اليوم لها ولكن الشاهد اليوم أن المسكوت عنه هو أننا نمثل الجانب الآخر من المعادلة فبعضنا يحتال على بعض فيستولي على أمواله ثم يحتال الآخرون من الأجانب عليه فيستولون على أمواله، وهذا ديدننا من قديم إلا أنه اليوم أصبح إفلاسميا وعلنيا وأصبح المحتالون على الأوطان يحتالون على الناس علانية وبلا حياء تحت شعار الأسلمة والناس عمي بكم صم فهم لا يعقلون. وقد أصبحت الحاجة ملحة إلى هيئة لحماية المستهلك ماليا على غرار هيئة حماية المستهلك الأمريكية التي ظهرت بعد الأزمة المالية. فالأمريكان أنشأوا هيئة من أجل حماية المواطن المستهلك من البنوك المحلية ونحن نحتاج لحمايته من البنوك ومن الهيئات الشرعية ومن الأجانب ومن الجهل المالي المركب الغالب على إعلامنا واقتصادينا ومثقفينا ومسئولينا فضلا عن عامة الناس. [email protected] تويتر@hamzaalsalem